ظواهر نحويّة ( الحمل على المعنى التضمين التوهم ) الأستاذ سعد داوود

( ظواهر نحويّة )
أ ولا : الحمل على المعنى ..
*************************
هو في أبسط تعريفاته : إعطاء الشيء ما أشبهه في معناه ، أو في لفظه ، أو فيهما معاً .
أو هو : حمل لفظ على معنى لفظ آخر ، أو تركيب على آخر ، لشبه بين اللفظين ، أو التركيبين في المعنى المجازي ، فيأخذان حكمهما النحويّ مع ضرورة وجود قرينة يؤمن معها اللبس

والحمل على المعنى مشهور جداً لدي العرب في كلامهم ... يقول ابن جنيّ " رأيت غلبة المعنى للفظ ، واللفظ خادم للمعنى ، وإنما جيء به له ، ومن أجله .... إلخ " .
فهو وسيلة لرأب الصدع بين القواعد النحوية ، والنصوص اللغوية ، وفي هذه الوسيلة يقوم العنصر الدلالي ( المعنى ) بعلاج كثير من المخالفات اللفظية المنطوقة .
وشواهده أكثر من أن تحصى ، ومنها :
1 -
قوله تعالى " لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدقَ وأكنْ من الصالحين " وذلك بجزم ( أكن ) حملاً على المعنى ... والمعنى " إن أخرتني أكنْ .... " ف( لولا ) تحضيض بمعنى ( هلّا ) و ( أخرتني ) ماضٍ ولكنه بمعنى المضارع ، لأن ( لولا ) التحضيضية تختص بالماضي المؤول بالمضارع ، إذْ لا معنى لطلب التأخير في الزمن الماضي .
ونظيره في كلام العرب قول : أبي دؤاد الأيادي : ( الوافر )
فأبلوني بليتكم لعليّ *** أصالحَكم وأستدرجْ ثويا 
فجزم ( أستدرجْ ) عطفاً على الموضع في ( أصالحَكم ) قبل دخول ( لعلّ )
والأصل : فأبلوني أصالحْكم وأستدرجْ .
2-
قوله تعالى " وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا " فقوله تعالى " أو يرسلَ " معطوفاً على " وحياً" على المعنى ، والتقدير : ( إلا أن يوحي أو يرسل رسولاً ) .
3-
ومنه قول الأعشى ميمون : ( الطويل )
أرى رجلاً منهم أسيفاً كأنما *** يضم إلى كشحيه كفّاً مخضبا .
فقال ( مخضبا ) والموصوف مؤنث ( كفّ ) حملا على المعنى ( العضو – الساعد ) .
ثانيا: التضمين -
*********************
هو إشراب لفظ معنى لفظ آخر ، وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدي معنى الكلمتين ... إذن هو إعطاء اللفظ مجموع المعنيين ، وذلك أقوى في إعطاء معنى واحد .
وشواهذه كثيرة ، ومنها ...
-
قال تعالى " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ..... " فأنت لا تقول ( رفثت إلى المرأة ) ولكنك تقول : ( رفثت بها ، أو معها ) لكن لمّا كان ( الرفث ) هنا في معنى الإفضاء جئت ب 
(
إلى ) مع ( الرفث ) إيذانا وإشعارا بأنه بمعناه .
ثالثاً : التوهم .. -
****************
هو تفسير تخيلي يضطر إليه النحاة ، وذلك عن طريق الاستعانة بالمعنى في محاولة للتوفيق وإحداث الانسجام بين ما قد يظن من خطأ في إعراب بعض التراكيب العربية الفصيحة والتي لا ربيب في صحتها وبين القواعد النحوية ، ومحاولة تفسير مجييئها على هذا النظم .
ومنه قول زهير -
بدا لي أني لستُ مدركَ ما مضى ** ولا سابقٍ شيئا إذا كان جائيا .
فقد لاحظ النحاة أن الشاعر قد خفض ( سابقٍ ) على الرغم أنه معطوف على ( مدركَ ) خبر ليس المنصوب ، فلما كانت المخالفة اهتدوا إلى القول بالتوهم .. فقالو : إن الشاعر توهم أنه قال ( لست بمدرك) ثم عطف عليه فقال ( سابقٍ ) وذلك توفيقا بين منطوق البيت والقاعدة النحويّة .
ومنه قول الأحوص :
مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة ** ولا ناعبٍ إلا ببين غرابها .
فقد ورد البيت بخفض ( ناعبٍ ) على توهم الباء في خبر ليس ( بمصلحين ) .
ومنه قول الأعشى ميمون :
إن تركبوا فركبوب الخيل عادتنا ** أو تنزلون فإنا معشرٌ نُزلُ .
فقوله ( أو تنزلون ) بالرفع عطفاً على معنى ( إن تركبوا ) فهو من العطف على التوهم ( عند الخليل وسيبويه ) لأن معناه : لأن تركبوا فذلك عادتنا ، أو تنزلون في معظم الحربفإنّا معروفون بذلك .
-
ولا ريب أن المعنى هو أساس عملية التوهم ، فعليه يُرتكز ، وإليه يُنتهى .. وهو منهج مستحسن ، وهو غورٌ من أغوار العربية يستلطفه العرفاء ، ولا يستضعفه إلا الضعفاء .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق