صوت الخوف
أهتزت السيارة مرة، مرتان ومن ثم توقفت.
تعطلت على الطريق، حذاء غابة النخيل والاشجار. الشمس توشك على الأختفاء ومغادرة
منبسطات الأرض. حاولت جاهداً، أصلاح العطب. أخفقت، تحسرت كثيراً. لم يبق من الطريق
الى المدينة الصغيرة التى اروم الوصول إليها سواء عشر كليومترات او أقل قليلاً. –:
" احضر حالا، لأمرمهم، أنا بحاجة لك.....". يرتجف الصوت، يختنق، ينقطع
الأتصال. لم يقل، قول ما يريد. -: من المتصل؟. سألتني زوجتي -:أبي، أرد. أهاتفه،
أنتظر، تتابع الرنات...صوت أنثوي ناعم.. يوقف
الرنات. أتلفن لأخي. يطن في أذني صوت
المجيب الآلي: الرقم الذي طلبته خارج التغطية. دقائق، ربع ساعة، ساعة، والمجيب
يجيب بذات اللازمة. -: الساعة الآن الثالثة بعد الزوال. خارج المدينة، كانت أعمدة
الأنارة تركض بسرعة. يداي على المقود. عيوني على الطريق. عقلي هناك..-: أبي، أراد
أن يبلغني بأمر ما. -: "ما الذي جرى؟!". سؤال وراء سؤال لم اصل بهما الى
اجابة. قلق وتفكيريسيطران عليَ. أتألم لهذا العطل المفاجىء. -: "لا سيارة
تمر، توقف المرور، يتوقف في هذا الوقت من اليوم. طريق منقطع، مدينة منسية، مدينة
تنام على مقربة من حافة رمال البادية. يوجعني عرق النسا. عشر كليو مترات، مسافة
بعيدة". أسترخي على المقعد. -:" هنا ولدت وهنا اموت". كلمات أبي في
لوح خيالي، كان متوتراً، تطاير الزبد من شدقيه. تركت العرض ولم اعد إليه مرة اخرى.
كان في رد الاب إصرار وعناد وغضب.. كنت أحاول غوايته في العيش معي، هو وأخي. كان
يستفزني في الرد حين أطلب منه الأنتقال وترك البيت والأرض. يصدمني. فكرت بفتح ثغرة
في جدار المعاندة، بالألتفاف عليه بالتاثير على أخي. أذهلني، كان أكثر صلابة من
أبي.-:" اللعنة على العطل والسيارة والطريق ومن شق مساراته. في هذا المكان
المنقطع.". نزلت. الوقت في بدابات الخريف. الهواء هادىء. تحمل الرياح الرقيقة
على أجنحتها موسيقى كونية بأنسام فارطة النعومة. الليل حط على المكان. أقفلت جَدَر
الظلام، منافذ العيون عن مساقطها. خطوتي تعثرت، كدت، أسقط. توقفت اقدامي بين
نخلتين نابتتين جوار حافة الطريق. تتجول جحافل الظلام في الأنحاء. كثافة العتمة منعت
عيوني من أن تبصربوضوح ممرات بطن غابة النخيل والاشجار خلفي. دست على زر الوقيد؛
أشعلت السكارة، دفعت حزمة الدخان الى الظلمة. تنهدت بقوة. عواء ذئاب. خشخشة ناتجة
من دبيب كائنات الغابة. لساني سجن في الحلق بقضبان الشك والتوجس والخوف مما تخفي
أكمة الحلفاء وشجيرات العوسج. خشيت من غدر تلك المخلوقات. فحيح أفاعي، أصوات
جنادب، أصوات آخرى غير واضحة تختلط بأصوات الجنادب. في الأنحاء، صوت الخوف. قرقرة
في بطني، لم أتناول الغداء، جئت قلقاً. يدور رأسي، أعاند أغماض عيوني، أنتظر مجىء
الفجر ليفتح للناس الطريق. التساؤلات تدور في تلافيف دماغي:-"
متى ينقضي هذا
الليل". ضوءان قادمان. أقتربا. عندما توقفت السيارة ونزلا؛ أدهشتني المفاجأة؛
جاءا أخي وآخر لا اعرفه. قبلني أخي وعانقني. عرفني بالآخر-" ياسر
الميكانيك". أخذني طيف سعادة وفرح. من زمن لم ألتق بأخي. ابتهجت حين علمت منه
أن أبي في صحة جيدة وكذا العائلة. على ضوء مصباح أنارة يديوي كبير بدء ياسر برفع
غطاء المحرك. انهمك في تصلح العطب. انا واخي في اشتياق ولهفة للكلام. أزداد فحيح
الأفعى. طقطقات بين النخلتين. سحبت أخي مبتعداً به عن المكان. -: العطل بسيط. قال
ياسر. شغل المحرك. ثم أطفاءه. لغط غريب ورطانة. أنتشلني مما انا فيه –" هل
نمت أم لم أنم، لست أدري". نزلوا من السيارة. أصواتهم غريبة وغير مآلوفة، تهز
قوة التماسك في النفس. كتلة ضخمة، شبح الغابة، بثت الترقب على امتداد الرؤية. لم
أبصر اي شىء مما فيها. كانت كتلة العتمة تغطي جميع أركان وزوايا سشع المكان
بأمتداد لانهائي. لم أر ما يحملون. ركزت-: "يحملون البنادق على
الأكتاف". ولجت الى الأكمة بين النخلتين. في عناد وتحدي للخوف وأستار العتمة.
أحتميت بالصمت من رعب المكان. –:" الحذر والأنتباه". خفق طير فوقي وحلق
في الظلام مبتعداً.-:" غابة". صرير ريح ودبيب في العشب. عواء ونباح
وأزيز، يخترق السكون. مرا ذئبان.– " هناك ذئاب أخرى أو حيونات مفترسة يحجبها
الظلام عن رؤيتي، أعرف. أن في هذا المكان، تكثر في الليل الذئاب". أرعبتني
الدهاليز، لغابة كثة من الاشجار والنخيل. اسمع أصوات حشرات الليل وكائنات الغاب
الاخرى. حدقت -: " السيارة من نوع؛ بيك آب بقمارتين وراء سيارتي بمسافة
قليلة، لصق حافة البستان الكث. أجساد لبضعة أشخاص. ذئبان قعدا على
عجيزتيهما.االذئبان لم يعويا. الاشخاص، لم ينتبهوا لهما.". اسمع صوت الخوف.
هناك من يتكلم في الصمت. يحمل أكثر المفاجأت رعباً. أشحن مسمعيَ وباصرتيَ بقوة.
يجىء كلام الليل على متن ريح تهسهس. أجساد تتحرك. أيادي ترتفع وتنخفض في الهواء.
تنهدات وزفير وشهيق مرتفع بالرعب على غير العادة. -: " أقرأ بصوت جهوري قرار
الأمير".. أصبح الصوت القادم من قريب أكثر وضوحاً.-: " شىءٌ مريب يجري ".
أصوات الغابة زرعت التوجس في نفسي. قرار الأمير يتلوه رجل ذي خنة حادة في نبره
كدوي ماكنة على وشك العطب. كلام لا يتواصل، ينقطع بين كلمة وأخرى. تبتلع الريح
عواء الذئاب البعيدة. والذي أخذ يتصادى في الاشجار والنخيل. -: "أرهاب".
ريح تنبح، لمعان سيف أو مدية كبيرة. ضوء لمصباح أنارة يديوي. كان الضوء مسلط على
الورقة التى أنتهى الرجل في التو من القراءة فيها. سقط الضوء على الرجل الجاثم على
ركبتيه. الرقبة منحنية. العيون تحدق في العشب. شهيق وزفير الرجل البارك، كما
الشخير المسموع. للسكوت والسكون رعب في ثانية. حدث أضطراب. تداخلت الاصوات مع
بعضها البعض..-: لم اقم بما يسىء. أتركوني اعيش لوجه الله. أستحلفكم بالرسول. -:
" الصوت ليس غريب عن مسمعي.". أنتقل مصباح الأنارة من يد الى يد. تركت
الأكمة وزحفت الى جذع النخلة الثانية. أحتميت بالجذع . المسافة أقل من متر.
-:"كافر يحل عليك القصاص.". صوت بكاء يأتيني. خفق أجنحة الطيور في سعف
النخلتين. غادرت الطيور. -: " الله أكبر". سقط الرأس. تدفق الدم. عوى
الذئبان في ليل الغابة. عواء غريب لم أسمع بمثله في حياتي. عواء كما البكاء. ركضا
وهما يهربان الى جوف الغابة. أخذوا يضحكون ومن ثم غادروا. ظللت وحيداً. نظرت الى
النخلتين المتعانقتان في صمت العتمة وأصوات ليل دامس الظلام. كثر العواء. نباح أم
عواء بت لا أعرف ولا أميز. يرهبني صوت الصمت في مكان لا بشر فيه. اقتربت. فتحت
الوقيد. الدم لم يزل يشخب من عروق الرقبة. شعر الرأس مخضب بالدماء وكذا الوجه. شرد
دماغي مني. ترك رأسي بلا عقل. تصادى في الانحاء صوت الليل. ارتجف وارتجف؛ مسحت
الوجه..خويه، خوووووووووووويييييييه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق