حوار التميز مع الناقد العراقي الأستاذ محمد شنيشل



بسم الله الرحمن الرحيم
لقاء اليوم لقاء الكلمة الهادفة والمعبرة لقاء الادباء والشعراء في واحة الادب العربي الوارفة الظلال
(
مجلة فلسفة قلم)
في حوار لا تنقصه الصراحة مع الناقد
(
محمد شنيشل الربيعي )

محمد شنيشل الربيعي قلم قطرات مداده محسوبة كحبات المسبحة يعدها كل مرة خوفا من كلمة قد كتبت سهوا أو مداهنة لأنه يكتب ما يؤمن به ولا يريد أن يكون شاهد زور على كل ما يسيء للأدب يتقمص دور الناسك في محراب الورقة والقلم لأنه يؤمن أن الكلمة الصادقة هي كلمة السر لدخول عالم الادب من أوسع أبوابه. محاور بارع ويجيد فن الاصغاء للاخرين كتلميذ يتعطش للمعرفة يخفي هذا أدب جم يغشى محياه حد الخجل . أحلامه كبيرة في البحث عن كل ما هو جديد يحاول في كل مرة أن يقول شيئا جديدا فهو يتعامل مع الحروف كما يتعامل العالم في مجال الطب والفلك والتكنولوجيا ليبتكر شيئا جديدا فكان بحثه الموسوم ( نثر الهامش ) أول الغيث يؤكد ما ذهبنا إليه ولعل منجزه الاول عن الشاعر السومري الكبير عبد الجبار فياض وباكورة أعماله الادبية سيقول لكم الكثير عنه فمرحبا بأديبنا وأعرف أنه لا يحب الالقاب بقدر ما يحب الحوار الهادئ والمثمر مرحبا به مرة اخرى وأترك المجال للأخت سهام محمد والاستاذ حسين الساعدي محاورة يكفي ان أقول مع ضيفنا العزيز 
محمد شنيشل الربيعي

س
في البداية من هو محمد شنشيل الانسان والناقد ؟
ج
إنسان آمن بخلافته على الارض ، فتحمل مسؤولية البحث عن وجود متجدد في خلافته الارضية خال من الضغينة ، حالم بالحب يكسو أجساد كل الكائنات .
أما العنوان ، فالناقد محور كوني تدور حوله النصوص ، والنص الذي ينجذب اليه يكون قضيته البحثية وليست القرائية . واعتقد أن في أعمالي أميل بها الى البحث ، أكثر من القراءة .
س
لم يحظى النقد العراقي عبر التاريخ بالشهرة التي يستحقها والتعريف بأسماء أعلامه ولا حظى بجهة رسمية توصل منتجه إلى القارئ العربي 
فهل يعود السبب إلى التقصير الاعلامي التعريفي وعدم توصيل المنتج النقدي أم إلى الناقد؟
ج
 الناقد العراقي يولد من ذاته والسبب أنه لا توجد حلقات تختص بدراسة النقد في الجامعات العراقية ، فقبل أكثر من ثلاثين سنة عرفت الساحة النقدية الكثير من النقاد ، لكن الجانب السياسي هو من يتحكم بالمبدع فيحيله الى قالب واحد يخدمه ، فالمشكلة إذن بالمتصدي للمشهد الثقافي وهو الدولة بمؤسساتها الثقافية والفكرية .
كل ما هو موجود عبارة عن إشارات للنظريات النقدية المتقادمة ، فالنقد القديم لا يزال يُستخدم وينسحب على النصوص المعاصرة ، وهذا التركيب يجعل النص مأزوما غير مضارع لقراءته ، 
ثم أن القضية النقدية كانت تخضع لقوانين رقابية شديدة من قبل عيون السلطة . فهي لا تستطيع أن تُظهر أكثر مما تريد الايديولوجية ، أضف الى ذلك عدم المثاقفة وانغلاق العراق عن محيطه الاقليمي أدى الى حدوث مثل تلك الاشكالية ، لكن بوجود وسائل الاتصال المفتوحة بعد 2003 بدأ العمل النقدي والادبي عامة بتوثيق المنجز العراقي والعمل على تحليله بغية التعرف على تلك الحقبة المفتوحة وتقييم مسار الحرية في الكتابة وأثرها على الحياة .
أما الشق الثاني من السؤال ، فأن في تصدير المشهد النقدي لا تختص فيه جهة معينة ، والاعلام مسوق كبير للاتجاهات الفكرية ، إذن الامر بناء روح تكافلية تؤمن أن النقد حقيقة فكرية يمر عبر بوابة أو مجموعة من البحوث مستمرة في التشذيب والتمحيص والاعلان، كما أن الدولة هي المؤسسة الكبيرة التي تعمل على توجه الاعلام بهذا الاتجاه ، والناقد خارج لعبة التسويق ، وعمله أنه يقدم فكرا .
س
ما هو المنهج الذي يختاره الناقد و يرى فيه خير طريق يقوده إلى روح النص الادبي والكشف عن أسراره و كنوزه والتي تظل دائما في حاجة إلى الكشف؟
ج
أهم منهج يستخدمه الناقد هو المنهج العلمي الذي لا بديل له للامساك بالاشخاص المتحركة في فلك النص ، فيكون المنهج تثوير مبدئي للعلاقة بين القاريء والناقد بغية تذليل تلك العقبة والعلاقة المازومة بينهما .
فالمنهجية في التقديم النقدي التي يعتمدها أي ناقد هي بمثابة مساره الذي يحدد له معقولية التقديم ومنطقية التناول ، فإذا قدم الناقد دراسة وعمد الى ذكر المنهج يكون الامر واضحا أنه قد اختار لهذا النص منهجا مسمى ، لأنه وجد أن ذلك النص قريب من هذا المنهج ، فهو لا يُقحم المنهج بالنص عنوة ، وإنما يضعه في طريق الاكاديمية المطلوبة إبتداء، وهذا منه جدُ قليل ، أما إذا لم يذكر فهو يسير بحسب رؤيته التي تُمازج بين الاكاديمية والانطباعية )
س
ناقدنا الفذ بدأ النقد الحداثوي بمجموعة من المقالات و البيانات التي نشرها بعض من الاساتذة كالاستاذ عبدالله إبراهيم و الاستاذ سعيد الغانمي و الاستاذ محمد صابر عبيد في صحف عراقية عام 1988 
فهل تعتبر هذه الفترة بداية التفاعل الحقيقي مع النقد في العراق؟
ج
النقد الحداثوي المستقل بشخصه وبهويته غير وارد في أدبيات النقد العراقي وعبد الله إبراهيم متخصص في الدراسات السردية والثقافية ، ومنهجه نقد الهوية الذاتية ، فهو أستخدم النقد بمفهوم التوجه الى ذلك المبحث المطروق سلفا ، اما سعيد الغانمي فهو يستدعي المنهج العلمي لمواجهة مظاهر الجهل والتخلف وهو الاخر فرضية لا تستجيب لها الحكومة لان المنهج العلمي الاكاديمي يحتاج الى ميزانية وكوادر مستقلة ... والنظر الى بناء دولة مدنية حقيقية . أما الناقد محمد صابر عبيد ، فهو راديكالي النزعة ، يؤمن بجلد النص ، حتى آمن بنعي وتراجع الوضع الثقافي في العراق فيقول : لا ثقافة في العراق. وهؤلاء وجوه تقليدية في الابحار الثقافي ، نحن بحاجة الى طرح مثاقفاتي ، ووجوه حقيقية تستثمر الفعل الوجودي لتنتقل من النظرية الى ما بعدها ، كهذا الذي تمتعت به أوربا ابان القرن الرابع عشر ، وكهذا الذي سجل فيه العرب والمسلمون قواعد معرفية كبيرة أبان القرن الثاني الهجري. والتفاعل مع النقد لا يتم إن لم تكن هنالك مدرسة نقدية حقيقية تعتمد من قبل المؤسسات الحكومية وتتلاقح مع الاخر وتنشط في انفتاحها وتقييمها للواقع .
س
ومن هنا وأنت الخبير و المثقف والمطلع بمجال النقد العربي و بحيثياته و تفاصيله 
هل يمكن القول أن للناقد دور في رفع الوعي الثقافي العام؟
ج
النظرة الى الادب في المجتمعات التي تسبح في فضاء الحرية هي ليست النظرة نفسها في ظل السلطة والدكتاتورية ، والادب لم يعد جنسا قائما بذاته ، بل هو خليط من نظريات كثيرة من المعارف ، والناقد عليه مسؤولية توجيه الانسان من خلال النص الذي يتنبأ بالاستقراء المتجدد ، سيما الناقد الباحث الذي نبحث عنه ليكون آلية التغيير الحقيقية .
س
 أصبت أديبنا المميز والمتميز 
في بعض الاحيان نجد نصوص غامضة 
اذا كان النص لا يكشف عن نفسه بوضوح 
فإلى كم قراءة يحتاج الناقد ليستطيع تفكيك قراءة النص و فك رموزه؟
ج
الى الان لم يتسنى لنا تقييم المرحلة التي نكتب بها النص ، هل هي حداثية ــ بعدية ــ ما بعدية) وبالتالي تقييم النص وتجنيسه من أهم الخطوات التي تذلل القراءة ، هنالك نصوص متخمة بالرمزية ، تفسد على القارئ وعلى الناقد قراءتها ، وهنالك نصوص تتجه صوب تقنين الرمز ، قريبة من اللسان بعيدة من اللغة ، وهنالك نصوص قريبة من اللغة بعيدة من اللسان و... أما عدد القراءات فهذا مرتهن بقدرة الناقد ذاته على هضم النص وامتصاصه ، وقد يشتغل على جزئية في النص تكفي لعمل كبير ، أو اقتطاف نسق أو مجموعة عناصر ... وهكذا
س
قد تختلف قراءة النقاد على ذات النص 
فهل تختلف قواعد النقد أم أنه لكل ناقد رؤيته تجاه النص ؟
ج
هذا أمر مسلم به ، فلا توجد قراءتان متشابهتان ، فما بالك بالتعددية فالنص حقيقة ثابتة ، والقراءات نسبية متحولة ، تحاول أن تقترب من النص بحذر ، ولعل النص الذي يرى اليوم تختلف الرؤية اليه غدا من نفس الناقد ، لان الاستقراء يتغير في منهجه ، وطبيعة المجتمع تتغير في الرؤية للحياة .

فهل تختلف قواعد النقد .
ليس من حق الناقد أن يرى في النص ما لا يراه النص ذاته فالنص هو من يوجه الناقد ، والناقد هو من يأتي بأدواته الى النص بعد أن يستأذنه بالولوج اليه ، فالقواعد النقدية عوامل مساعدة للإخراج الفني للنص ، والمهم الحفاظ على الحقيقة فيه وليست التأويلية وفق الهرمنيوطيقا التي تعمل على سبر الغور على حساب النص .
س
بعد إنجازك لكتاب ( عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك)والذي تحدثت فيه عن حكمة الشعر وعلاقته بنظرية المعرفة بشقيها الوجودي (الانطيولوجي)والمعرفي النقدي (الايستميولوجي)
هل يمكن القول أن هذا الاصدار سيمثل منعرج في تاريخ النقد العراقي؟
ج
النقد حكاية بطلها النص وليس الناقد ، ونحن في صراع مع التوسعة العلمية وإيماني أن الانسان يمتلك أقل المعارف ، هي فلسفة الاشياء واستعارة المفاهيم في حياتنا اليومية بدأ ينحو بالفكر الانساني الى الابداع ، والكتاب قراءة في الوجود الحضاري في فصله الاول ، ونقدها في فصله الثاني بوساطة الشعر ، والكتاب يتناول النص فلسفيا ليس بمعنى سحب النصوص الى المصطلح الفلسفي لكن استبطان الداخل الانساني فلسفيا والذي يحن الى الماضي دائما ، من هذه الايقونة وجدنا أن الشعر لا يكون شعرا إن لم يكن فيه قدرات فلسفية تنسق وجودها مع حاكمية العقل وأن تاريخ الانسان ما هو إلا تاريخ النص ذاته . نأمل أن يكون الكتاب قد تناول رؤية النص بحسب رؤية النص ذاته وانفصال الانسان عن النص لا يكون وبالتالي هو لا ينفصل عن تاريخه ، والكتاب عند ذوي الاختصاص ستكتشف فيه خبايا كثيرة تنفع القارئ العربي في البحث العلمي .
س
البحث في الامور النقدية يبدو ضعيفا على مستوى الوطن العربي ، برأيكم ما هي الاسباب ؟
ج
من الاسئلة المفصلية التي تشغل بال الكثيرين ، وقد سأل الاستاذ قاسم الربيعي ذلك السؤال أو أقرب اليه لذا وجب بعض التفصيل ، النقد ليس من المثالية الفكرية فهو قضية متحولة تبعا لتحول البحث والمنهج العلمي ، والنقد موجود في كل القضايا الحياتية إبتداء من البيت الى المجتمع الى النظام السياسي... لكن البحث هو الاهم وعندنا غالبا ما يكون مكرورا عن نسخ معدلة من الفكر الغربي على مستوى الوطن العربي فمحمد أركون ونصر حامد ابو زيد وعبد الله غذامي وعبد الله ابراهيم ...وغيرهم لم يفلحوا في وضع مناهج بحثية وما جاؤوا به قريب الى النقدية الفكرية في التأويل الغربي.
أما الاسباب ، فالمشكل الاول هو التخوف من الولوج الى النص الديني وأن الباحث يتوجس من الحرب عليه فحالما يخرج ما كتب حتى تنهال عليه النعوت من كل حدب وصوب ، والغريب أن النص الديني (القران) يقول : " أفلا يتدبرون القرآن " والسبب الاخر عدم دراسة التراث دراسة علمية والبحث فيه مجرد طريقة نقد له ففي المجتمعات العربية حصرا هنالك مؤسسات سواء أكانت مرتبطة بالدولة أو غير مرتبطة ، تعمل هذه المؤسسات على هدم كل ما هو يُعتقد أنه بحث جديد ، والامر سيان مع الافراد الذين هم خارج مؤسسات الدولة ، فكم من المبدعين وفي مجالات شتى لم يجدوا لأنفسهم مكانا لخدمة مجتمعاتهم وبلدانهم ومثال ذلك عالم سبيط النيلي ، وكم هي القصص الكثيرة التي نسمعها هنا أو هناك عن فلان ،وفلان ؟.وهنالك أسباب كثيرة أخرى لا يسع الوقت لذكرها لكنها تشخيصية فاعلة .
س
نعم هو كذلك ان مشكلة الفكر العربي هو وجود المقدس متسيد على الساحة العربية ولذلك هناك تخوف من البعض بالتقرب من هذه الخطوط الحمراء .. احسنت استاذنا 
استاذ ابو باقر 
الكتابة الان تُكتب وفق أي حقل من التجنيس ، الحداثة ، أو بعد الحداثة ، أو ما بعدها ؟
ج
نعتقد أن من الصعوبة بمكان أن نضع معيارا لتجنيس الواقع ، لكن من الممكن أن نكون قريبين من اللون الكتابي ، فالكتابة لا تجنس بحسب سؤالكم ، لان التداخل يمنع التجنيس ، والخلاف بين رؤية الحداثة وبعدها يكاد في أزمة يقطع الطريق الى ما بعد الحداثة ، لكن من الممكن أن تكون الحداثة فيها اللغة رمزية حسية للتعبير عن عالم معقد ليس له حل ، سائر في درب طويل من متاهة بلا إصلاح يُذكر .

أديبنا الباذخ وناقدنا الرائع الأستاذ محمد شنشيل أنرت منتدى فلسفة قلم بعبق حضورك الفاخر واسمح لنا أن نبارك لك ولنا إنجازك التاريخي و الحضاري المائز كتاب ( عبد الجبار الفياض حكيم من أوروك ) والذي سيثري المكتبات العربية والعالمية بقيمته الفكرية والأدبية شكرا أستاذي الفاضل محمد شنشيل للأخلاق والتواضع والإبداع شكرا بحجم عطائك وبقدر إنسانيتك و ومحبتك في قلوبنا

قام بتقديم الحوار الشاعر ثامر الخفاجي 
حاوره الشاعرة سهام محمد والشاعر حسين الساعدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق