رحلة في تاريخ البتراء / كتبت سهام محمد


أصدقائي الأعزاء أسعد الله مساءكم أينما كنتم ننطلق معا في رحلة جديدة نحو الحضارة والتاريخ لنعانق الجمال في محطة أخرى من برنامجنا مدينة وتاريخ مدينتنا أحبائي نكتبها أختا للزمان ..للمكان ..للروح
هي اكتمال البدر و سيف الصحراء وحارسة الحواضر
وهي انسجام العﻻقة بين الإنسان والمكان وهي جوهر المسألة التي تسردها لنا الحجارة والنقوش هي قصة الأرض التي تماهت دما في شرايين فارسها العربي فكانت مشوقته وعشقناها معه إنها العصية الجسورة بخيلها و فوارسها والسهم الذي شق عباب الغيم وهي صهيل الخيل و اكتمال النشوة وهي مبتدأ الفعل ومستقر الذاكرة 
إنها مدينة الملوك و سليلة النسب و عروس عجائب الدنيا السبع و تاجها وعنوان الإرث الإنساني الشفاف إنها


البتراء


شقيقة المجد وعناد التاريخ إنها الجمال والسحر ماذا أقول فيها وكل الكلمات تقف عاجزة أمام بهائها وروعتها إنها المدينة الوردية أو مدينة الأنباط 
تعد مدينتنا من أقدم المدن الأثرية والتاريخية و يرجع تاريخها إلى أكثر من 6500 سنة وقد أسست المدينة في عهد الإسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد أو بما يعرف بالعصر اليوناني وكانت تسمى آنذاك (جراسا) في تحريف لاسمها السامي أو الكنعاني (جرشو) وتعني مكان كثيف الأشجار 
أطلقت عليها ألقاب عديدة لتشكيلها كثيرا من مفاهيم ومعاني الإعجاب و الانبهار في إعجاز الطبيعة و قد نحتها عرب الأنباط في الصخرة جعلوا منها موقعا استراتيجيا مهما
وتعتبر من أهم المواقع الأثرية بالأردن و بالعلم لعدم وجود مثيل لها في العالم وهي عبارة عن مدينة كاملة منحوتة في الصخر الوردي اللون ومن هنا جاء اسم بترا وتعني باللغة اليونانية الصخر ويقابله باللغة النبطية (رقيمو)
كما تعرف أيضا بالمدينة الوردية وهي أشبه ما يكون بالقلعة مختبئة خلف حاجز منيع من الجبال المتراصة والتي بالكاد يسهل اختراقها وهي تحضي بسحر غامض
بنيت مدينتنا منذ 400 قبل الميلاد على يد الأنباط وعلى مقربة منها يوجد جبل هارون والذي يعتقد أنه يضم قبر النبي هارون عليه السلام والينابيع السبعة التي ضرب سيدنا موسى عليه سلام بعصاه الصخر فتفجر وقد امتدت حدودها من عسقﻻن في فلسطين غربا وحتى صحراء بﻻد الشام شرقا ومن شمال دمشق وحتى البحر الأحمر جنوبا و شكل موقع البتراء المتوسط بين الحضارات بﻻد ما بين النهرين وبﻻد الشام والجزيرة العربية ومصر أهمية اقتصادية وكانت دولة الأنباط ماسكة بزمام التجارة و عاشت المدينة عصرها الذهبي تحت حكم الرومان لها وتعتبر واحدة من أفضل المدن الرومانية المحافظ عليها في العالم كما تعتبر مثال رائع للتطور المدني عند الرومان في الشرق الأوسط كما تحافظ على المزيج بين الطابع الشرقي والغربي 
خضعت جراسا لحكم الروم الذين احتلوا بﻻد الشام طيلة 400 سنة وأسسوا اتحاد المدن العشر المعروف باسم مدن الديكا بوليس وهو اتحاد اقتصادي و ثقافي فيدرالي ضم عشر مدن رومانية أقامها القائد (بومبي)عام 63 قبل الميلاد في شمال الأردن وفلسطين و جنوب سوريا لمواجهة قوة دولة الأنباط العرب في الجنوب
وبسبب موقعها وازدهارها تحولت إلى أهم مدن الاتحاد وقد زارها الإمبراطور ( هارديان ) سنة 130 ميﻻدي أثناء مسيره لاحتلال تدمر 
أول ما ينكشف أمام ناظرك مشهد يثير الدهشة ويأخذ الألباب بجماله وسحره و روعة تكوينه إنها الخزنة المشهورة وهي لوحة فنية مدهشة منحوتة في الصخر الوردي ويمتد تاريخ إنجازها إلى القرن الأول ميﻻدي حيث صممت لتكون قبرا لواحد من أهم ملوك الأنباط ولتكون شاهدا على عظمة المكان التي تنطق بعبقرية الإنسان و قدرته الهندسية الدقيقة والمبدعة في ذلك العصر
كما يعتبر الدير من أبرز المواقع المثيرة والجميلة في البتراء حيث يقوم على مرتفع عال وقد نحت بأشكال فنية مبدعة وبمجرد الوصول الي قمة الدير تجدك أمام مشهد فريد من نوعه حيث الأفق والفضاء يطير 
وقد بنى السلطان المملوكي (الناصر محمد) مقام تكريما لسيدنا هارون عليه السﻻم
و كانت نهاية دولة الأنباط على يد الرومان عندما حاصروها ومنعوا عنها مصادر المياه سنة 105و أسموها الوﻻية العربية و في سنة 636اصبحت يعيش ما تبقى من سكانها على الزراعة وقد أفرغت من أهلها على إثر زلزال الذي ضربها سنة 748/746  وبقي موقع البتراء غير مكتشف للغرب طيلة الفترة العثمانية حتى أعاد اكتشافها المستشرق السويسري يوهان لودفيج بركهات عام 1812 وقد أدرجت مدينتنا على ﻻئحة التراث العالمي التابعة لليونسكو  كانت هذه رحلتنا أصدقائي مع البتراء الجميلة في مدينة وتاريخ 
إلى أن نلتقي في مدينة أخرى وتاريخ آخر لكم مني انا سهام محمد ألف تحية وسﻻم


شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق