عمر الهوى الثاني... الجزء الثاني والأخير ..بقلم الأديبة نوره حلاب



عمر الهوى الثاني... الجزء الثاني والأخير ..

حان يوم الزفاف الموعود ، ويا ليتني حينها لم اكن على سطح هذا الوجود .
أذكر جيداً كيف إستيقظت صبيحة ذاك اليوم ، بجناحين .كنت أكاد اطير ببن فيترينات المخازن ، باحثاً عن ربطة عنق تناسب والد العروس المغروم ...حتى عثرت أخيراً على ضالتي المنشودة في مساحة حريرية متدفقة بأللون البنفسجي وتموّجاته .....ولا تسالي با حبيبتي عن حدث الأناقة الذي شكلته " الكراڤات" البنفسجية حين تناغمت مع القمبص " البيج" والبدلة الكحلية .
هل كنت أخبئ في داخلي موهبة الحس المرهف الأنبق ، وانتظر فقط الفرصة السانحة لتفجيرها .؟؟!! 


لا لا اعتقد ولكنه الحب الذي يصنع من الرجال ااتقليدين المضجرين والمملبن ، شعراء وفلاسفة ومبدعين .
كنت في عمر الهوى الثاني وكان هواك !!!
بعده صرت عاشقاً مستبشراً يبرق الحب من عينيه ويشعّ من لفتاته فتضي اساريره وتنهمر علبه الإطراءات سخية ندية كزخات المطر .
ليلة الزفاف كنت ارحّب بالمدعوين أصافحهم متلقياً من المديح ما يخفف من روح أشد الرجال رصانة وهيبة .

"
شو هالحلو يا عم مين بيقول إنك أبو العروس . دخلك مين فيكن العريس انت ام هوي " ويشيرون الى صهري عن يميني .
كانت تدغدغني متعة الكلمات وتسحرني مخارج الحروف حتى اكاد اطير واحلّق ، اما زوجتي التي كانت بالعادة وحدها من يستاثر بتلك النعمة ، بدت بجانبي هادئة ، رزبنة ،لا مبالية تغمز لي بطرفها بين حين وآخر ، مبتسمة تلك الإبتسامات الصغيرة.الغامضة ، فلا اعيرها من انتباهي شيئاً يذكر ، كنت أصرف بعضه على الضيوف وأحتفظ بالباقي كله متأهباً ينتظرك وراء " الكونتوار " خلف كتف زميلتك المنهمكة باأخذ المعاطف وتعليقها .

أبن انت ؟؟!! اين عبنيك وسهامها ، وعودها وعهودها..؟؟!!
وحدها كانت تساوي حينها كنوز الدنيا ومديح الكون .
كنت أداعب نفسي فألاعبها لعبة الغميضة ، أغمّض وافتّح، وأفتّح وأغمّض متمنياً لو تنبثقين فجأةً امامي ولكن عبثاً فالأرض لم تكن تنشقّ سوى عن ذلك البهلوان المصوّر الذي كان يضغط الفلاش في وجهي وهو يقفز امامي عن يميني ويساري ، يكاد يعميني فألعن المصورين ومن اخترع آلات التصوير واوشك ان احطمها فوق راسه لولا عذره السوبر مقبول ...
"
بعتذر استاذ بس وجّك مش معقول شو فوتوجينيك

كنت اعبس في وجهه واتجهّم وفي داخلي كنت أسعد وأستانس وأصبر علبه ، حبن اتصورك كيف ستطلّين بين لحظة واخرى ، كبف ستدهشك وسامتي وتبهرك أناقتي وكيف ستتمتمين لي بكلمة او تهمسين لي بهمسة تعزلني عن كل ما يحيط بي من صخب وزيف وضوضاء . كنت لمجرد تصور الأمر تلتهب أذناي وتتورّد خدودي خجلاً .

تعرفبن يا صغيرتي ..ٌ.والكلام في سرّك...
بحدث للرجال في الخمسين ان يصابوا بحياء العذارى وارتباكهن خصوصاً حين يكونوا عشاقاً في عمر الهوى الثاني وفي خانة والد العروس ودوره المنمّق المرسوم .

رايت زوجتي من البعيد تومئ لي ...بما معناه ..
"
هيا أستعد حان دورك .. ها هي العروس مقبلةً نحوك فقط كن هادئأً وركّز إنتباهك "
اركّز إنتباهي ....؟؟؟!!! يا للهول وتركيزي كله كان يحوم حول مكانك الفارغ الملحوظ .

يتبع...

أركّز إنتباهي !!!!! يا للهول وتركيزي كله كان يحوم حول مكانك الفارغ ألملحوظ .
رحت أحسب خطوات العروس ألمتأنية من أعلى درجات السلم حتى أسفله .كم يلزمها من الوقت لتوافيني ؟؟ دقيقة ، او دقيقتان ربما .حسناً أستعيرها واستفسر خلالها عنك وليكن ما يكون .

"
عقبالك دموازيل " قلت لزميلتك ، بالمناسبة اين هي رفيقتك اليوم؟ 
"
مرسي إستاذ" رفيقتي خطبت والليلة عقد قرانها، ليش ما خبّرتك المدام ..
المدام زوجتي تخبرني ؟! بماذا ؟! بما سمعت ؟ ولكن ماذا سمعت ؟!
تعطّل سمعي تلاشى وجرفني دوار حين زلزلت الأرض تحت قدمي ، إرتجّت القاعة من حولي ، أطفأت الأنوار ، أضيئت الشموع واخذت دفوف الزفّة تقرع من و" دقوا المزاهر" تصدح والعروس وحيدتي تهبط كالحلم آخر درجات السلم كملاك يهبط من السماء ، فيهبط قلبي بين رجلي هلعاً حين اتصورك عروساً تتقدّمين كأبنتي تشبكين ذراعك بذراع رجل آخر سيراقصك ، سيشمّك ، سيلمّك بين ذراعيه ويضمّك و... 

وخطوات إبنتي تدنو فتكاد تدانيني وانا مزروع بأرضي يقفز افراد الزفّة حولي كألمهرّجين واسمع الزغاريد فوق راسي كالعويل ، فتسكّ ركبتاي وارتجف بأرضي أضيء واطفيء كأشارة سير معطّلة ، تطفئها زوجتي حين تمسك بيدي وتشبكها بذراع إبنتي فاخطو معها لأسلّمها لعريسها وسط الزفّة والأهازيج الشعبية ...

كانوا يرددون زجلاً يوصي العريس بعروسته والعروس بعريسها .....
لم أفهم شيئاً حينها ، كان هناك فرد واحد يحتاج لموسوعة توصية كان هو والد العروس ...وعمر هواه الثاني المصدوم .

تلك حكايتي يا حبيبتي حتى تلك االحظة اما ما جرى بعدها فلن تفهميه إلا إذا إنضممت لنادي اسرار النساء وغرابة طقوسه الفريدة المتنوّعة .
تخيلي بعدها كيف قادت زوجتي حفل ألزفاف من الألف إلي الياء بإتقان مذهل وتخيّلي كيف كنت أنا "محسوبك" ببن يديها

روبوت مبرمج بشحنات آمرة من عينيها .كانت تجلس فأجلس ، تنصت فأنصت ، تساير فأساير ، تتلقّى التهاني فأتلقّتى التهاني وفي نهاية الحفل حصدت هي من الأطراءات المستحقة ما بكفيها خزيناً يرويها حتى آخر ألعمر وحصدت أنا من ألخيبة ما طرحني في فراشي لبلتها فريسة ليلة سوداء لم تنفع معها سوى حبة صغيرة بيضاء وحكمة حاسمة رقطاء .

"
، ما قلتلك شدة وبتزول الحمدلله ..احمد الله "
رددت إمرأتي كلماتها مبتسمة توأم الإبتسامة التي كانت ترشقني بها في بداية حفل ألزفاف .
حينها فقط فطنت للأمر فصحوت وتيقنت ... كيدهنّ عظيم والله كيدهن عظيم . كانت تعلم بالأمر.وكل تفاصيله ، فتتكتّم وتتجاهل لتشمت بي وتتشفّى مني .
"
ألم اقل لك شدة وبتزول

كانت شدّة نعم خفّت قليلاً ، بهتت ربما لكنها أبداً يا حبيبتي لم تزول ..
سنوات مضت على زواج وحيدتي ولا زلت بين حين وآخر اقلّب في صفحات البوم الزفاف .، أستعيد الذكريات ، متأنياً بين الصور ، مفتشاً ببن الوجوه علّني أعثر على ذاك الرجل الحاضر الناضر ذو الوجه الفوتوجينيك "الذي كان يستقبل المدعوين .... لا اثر له.؟؟؟!!! 

نجمة الألبوم إبنتي كالأميرات ، تليها زوجتي كالملكات وانا بينهما اشبه كهلاً هرماً بربطة عنق بنفسجية فاقعة وصلعة شاسعة .
من هو هذا الذي اراه لا يشبه بتاتاً ذاك الذي كنته بشئ .كيف أختفى؟! اين دُفنت تلك الصوَر .

استنفر كعادتي كل مرة وأعود لأستنطق زوجتي مستفسراً فتنعتني برجل الخيالات والتصوّرات والأوهام ، اتركها لشأنها وأقصد المصوّر الذي يصاب بغتة عند رؤيتي بداء الخرف المبكّر فلا يتذكّر شيئاً ، لا حفل الزفاف ولا تاريخه ولا كيف كان يضغط على الفلاش وبقفز امامي كالسعدان متعللاً بوجهي" الفوتوجينيك

واعيد واعيد تذكيره بالتفصيل الممل فيعيد تأملي ببلاهة.الحمقى والمهابيل ، محدّقاً بعرض صلعتي وطول قامتي متسائلاً بالتأكيد عما أحمله من شروط ومؤهلات ال"فوتوجينيك " لا شئ على الأرجح .!! 

الصوَر إختفت تحت سابع ارض ، زوجتي تنصلت والمصوّر غُسل دماغه وحتى اليوم لم يستطع شئ ان يغسل عينيك وسهامها وتلك النظرة الكاسحة عن جدران قلبي .

ايه يا قلب ..
ايه يا حبيبتي !!!، تلك هي الحكاية من الألف حتى آخر ابجدية فرح الحب في هذا العالم الحزين .
أغلق صفحات الألبوم والزكريات النابضة وافتح كتاب الكيمياء والفيزياء والمعادلات الغامضه عملاً بتلك المقولة الشائعة ." لا شئ يكفل راحة القلب مثل شغل العقل" .

اغوص في المسائل المعقّدة احلل وانقّب ، ادقق واستنتج اراجع واراجع مرة مرتبن عشرات المرات فلا شئ يكفل راحة القلب مثل شغل العقل 
صحيح ؟! ربما احياناً ؟! إلى حد ما . او.....;


شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق