نوره حلاب وفراس الأمين في قصة /رسالة إلى زوجي الحبيب/


 عندما نتحدث عن القصة فإن ذكر اسم هذا الصنف الأدبي المميز والغني يحتاج إلى كاتب يملك من القدرة قدرا كبيرا من التركيز والقدرة على وصل الصور والانتقال من لقطة إلى أخرى بطريقة تشعر القارئ بأنه يشاهد الأحداث التي يقرأها بل ويعيش في كل تفاصيلها
من اختص بهذا المجال وسار بطريقه يعلم تماما ما لا يعلمه القارئ بأنه بحاجة لذاكرة حسية قوية كي يتمكن من إيصال الفكرة المطلوبة بكل ما بها من مشاعر ويترجم ذلك بكلمات بسيطة وجمل أدبية غزيرة تتسم بالعمق تارة والإشارة المباشر للمعنى المقصود تارة أخرى فالهدف هو شد انتباه القارئ وشغل فكره واحساسه معا


نحن نقرأ القصة ولكن في الحقيقة نحن نعيش تجربة حياتية مع كل كلمة تمرت حت أنظارنا وباللا شعور نرسم ملامح الشخصيات ونبرات أصواتهم وهنا تكون قدرة الكاتب وتمكنه من اشغال القارئ نفسيا وحسيا بالمعنى الداخلي فنحن نسمع أصوات بداخلنا لكنا بمنطق المادة لم نسمعها وربما لن نسمعها فهي خيالية غير موجودة
من هنا نرى مدى صعوبة إتمام هذه القصة بما احتوته من أهداف
عندما قرأت للمرة الأولى للكاتبة نوره حلاب شعرت أنني أعيش أدق تفاصيل قصتها التي عالجت بفحواها قضية اجتماعية تعاني منها المرأة في مجتمعاتنا العربية
بدأت القصة بلهجة السخرية القريبة للغة المحكية ( العامية) عندما قالت : "رسالة إلى زوجي الحبيب "و أتبعتها بـ " تعي دفيكي" وهو المنشور الذي أرسله الزوج لزوجته ممازحا في موجة برد قارص ضمن القصة
فكان ربط المعنى يقود القارئ إلى متابعة ما بعد هذه المقدمة المعاصرة وبعدها تبدأ رسالتها ومن مجرد كلمة رسالة التي اختارتها كاتبتنا وما خلف هذه الكلمة من أسرار تدفع العقل تلقائيا إلى الرغبة بفتح مظروف تلك الرسالة أو صندوق البريد العقلي متلهفا للقراءة
فتقول : ماذا تظن نفسك ...عصري ،، مهضوم ،، ام انك صرت اخيرا الرجل المتعاطف الحنون .
وهي القضية الأولى التي تطرحها الكاتبة وتخص بها الأزواج وما تعاني زوجاتهن منه في الحياة اليومية من جحود في المشاعر وبرودة بالتعامل .
تتابع فتقول :
لعلمك يا سيدي انني انتمي لجيل العقد الخامس عند النساء ،، الذي صار اليوم وسط تلك الأجيال المعاصرة ما يسمى بالرقم الصعب و العملة النادرة ..

جيلنا الذي كان عقد زواجه منذ ثلاثة عقود وهو لم يزل بعد في عمر الورود ....

كان الزواج المبكر الموضة في ايامنا وكنا حريصات على اتباع احدث خطوطها وازياءها وقصاتها ...
نجدها هنا تتماشى مع ما تلقته من مشاعر سلبية وألم معتق فتطلق العنان لتحول ألمها إلى رصاصات تحملها الكلمات وتصوبها تجاه الزوج وجيل من الفتيات خفيفات التلقي يقعن في غرام أول (منشور بوست دافئ)
وتضيء على الفرق الشاسع بين جيلها (في القصة) وجيل العصر
لتنتقل إلى قضية الزواج المبكر وتداعب شرارة هذه النار التي تذوقتها ودفعت ثمن لها بـ ( تعي دفيكي)
 تتابع ..
كنا في عمر الورود و كنا نواكب الموضة ومع امواجها كنا نموج ....
وكنتَ كغيرك من الرجال ، فارس الأحلام جواد يمتطي جواد ، يصهل معه ويصهل لصهيله وحين يبلغ بوابة دارنا ،،،، يشد لجامه ويكاد يفقد صوابه 
حين ترحب به عرائش الياسمين ، يستقبله عطره الفواح الرقيق وتحييه شتول الورد ويسلم عليه قوام الزنبق الأنيق .........
مددتَ لي يدك حينها فتركتها لك ببراءة عمر الطيبة والصبا ...رفعتني على جوادك ،، فجلست خلفك احتمي بظهرك واطوق خصرك لتنطلق بي حينها وردة ندية مضرّجة بالخجل والوجل ...



كنت اسمع صهيل فرسك وصهيل قلبك فيرتجف قلبي حماساً وتاثراً والفرس يعدو بنا نحو ارض الحب والفرح الموعود .......

عندما نبدأ حديثنا عن الماضي لا بد من افتتاحه بكان وكنا وكنت كما فعلت الكاتبة عندما وصفت بدقة مشاعر تلك العاشقة التي تنتظر فارسها المقدام الذي جمعت له أجمل ما تملكه من مشاعر دافئة وحرصت عليها ليحصل عليها وحده فعطرتها بأجمل العطور وطرزت لها أجمل الأثواب
كان .. وكانت والحب أيضا هو الموعد الآتي من خلف تلال الانتظار
ولكن .. وأقتبس "
هناك شعرت بالبرد لأول مرة حين عرفت انك تنتمي لعشيرة لا تشبه عشيرتي ....الحب عندكم مسوّر بحدود !!!!! ولا يمنح للصبية الغريبة مجاناً وله في ذلك شروط وقيود ..


وكنت اشعر بالبرد بينهم ..... وحينها كان عليك ان تقول لي " تعي دفيكي " ..ولكنك كنت تبقى صامتا كأبي الهول 

هي الصدمة التي أتت بفارس على عكس التوقعات والأماني الكثيرة التي رسمتها وانتظرتها إذ أن الحب لديه وأقصد الفارس البارد الذي جعلها لا تتأثر ببرد العاصفة كما تألمت لبرود مشاعره وانتمائه لقانون القبيلة ..
تتابع ..
ولم اكن سوى في الثامنة عشرة ...يافعة جدا وطيبة جدا ومستغربة جدا وسط وجوه مسطحة تجيد تبديل الأقنعة ،،، فلا اعرف الأصلي فيها من التقليد واشعر انني غريبة جدا وضعيفة جدا ....

في الثامنة عشرة ،،، كنت أحاسَب على هفواتي وكأنني املك خبرة الثامنة والثلاثين وكم كنت ارتجف واشعر بالبرد ،،، وكم انتظرتك لتقول لي 
تعي دفيكي " ..
كنت احلم ان ترفع لي رأسي حين اوشك ان انكّسه وتثبّت لي كتفي حين اود لو الوذ بالفرار ...

ولكنك وسط اهلك كنتَ الشيخ والأمير ،، كنتَ الزعيم وكان لك السمع دون تردد وكانت لك الطاعة بلا حدود .وكنت اشعر بالبرد ولم تقل لي يوماً " تعي دفيكي " ....


تعود لتذكر العمر الصغير لتلك العاشقة والجو العام الذي اقحمت به وطفولتها التي لطالما انتظرت من فارسها أقله الشعور بالأمان والراحة بعد أن ابتعدت عن الأب الذي لا يخول له أن يعطيها كل ما يجوز للفارس الأحلام ولكنه جعلها تشعر بوجودها والأمان الذي يحتاجه كل انسان ولكن الفارس المفدى له قدرة الأخذ أما العطاء فلا يجوز للطفلة الضائعة خلف ( الطرحة ورداء الطهر) للأسف في كل تلك المعاناة والنقص المتزايد يوميا أتى الفيس بوك ليفجر عبر منشور (تعي دفيكي) كل تلك السنوات الجافة إلا من أوامر الفارس الذي صار ملكا لا ترد له كلمة وعلى الجميع أن يطيعه .

ولتتابع الأحداث التي اختصرت الحياة الزوجية بقصة معاناة حقيقة لا بد من أن تنتظر تلك المسكينة مولودها الأول وهو الأمل الثاني الذي يوقظ أحلام الطفلة بالحب والدفئ والعشرة بالمعروف
فكانت السطور التالية :
بعدها تعلمت ان اعتمد على نفسي فاوقد لها دفئاً من نفسي وحين جاور قلبي ذات يوم نبضاً ضعيفاً آخر غير نبضي عرفت انني انتظر مولوداً منك فتفائلت ...

اخيرا ستكون لي ...اخيرا ستعيش معي سحر اللحظة وروعة الحدث السعيد اخيرا سيصبح لنا عائلة واطفال وخصوصيات ...اخيرا سنصبح اسرة انت لي فيها السند والحامي وال................

العائلة من الطبيعي لأي انسان عند سماع هذه الكلمة الشعور بالدفئ والأمان المحبة الخالصة والسعادة ولهذه الكلمة وقعها الخاص بالزوجة فهي بالنسبة لها مولود الألم ولما خلق الله حواء من ضلع آدم خلقها وهو نائم كي لا يتألم  فيكره حواء بينما المرأة تلد وهي تتحمل كل آلام الولادة ليكون حبها بعظمة ألمها
هي العائلة التي تكتمل مع أول مولود للزوج والزوجة ودائما أمل الزوجة بحسب كاتبتنا أن يعود الزوج إلى رشده العاطفي ويشعر بزوجته وما تقاسيه في حياتها معه ولكن ...
ولكنك تركتني في توقيت النساء الأهم ......وقت الولادة وهن بين الحياة والموت .. وبحجة السفرة الطارئة والعمل الذي لا يرحم والمستقبل والمجد الذي تسعى له ....ادرت ظهرك ورحلت ومن قلبي من حينها تداعيت ....

وكانت ولادة عسيرة تركت طاقم المستشفى في عجز وحيرة ....ولم يكن يكفي صدر امي الحنون ولا ساعد الطبيب الموزون ،،، وكنت احتاجك شريانا للحياة في حين كان علي ان اهب الحياة وكنت اشعر بالبرد في عز صيف " تموز " ولم تقل لي حينها " انا هنا "وتعي دفيكي " ...

عندما لا يدرك الزوج مدى حاجة زوجته لمجرد وجوده معها فهو بحاجة للكثير من الدروس حول ماهية المرأة ومدى احتياج هذا المخلوق الضعيف القادر على وهب الحياة ولكن حتى الأم لا يغني وجودها مع ابنتها التي تلد عن وجود المسبب لهذا الألم ودقائق خلق روح جديدة وخروجها إلى الحياة !!
وبسطور قليلة أو كثيرة ومهما عظمت بلاغة الكلمات لن تصف هذا الألم
لكن كاتبتنا تجعلنا نعيش الألم النفسي الذي تعانيه بطلة القصة وصاحبة الرسالة التي بدورها عانت برودة لم يشعر الثلج بقوتها إلا أن البطل لم يكن موجودا ليقول لها ( تعي دفيكي)
أتابع مع انتقال جديد في سرد الأحداث اتبعت الكاتبة به أسلوب المخرج الذي ينتقل بمهارة من لقطة إلى أخرى ..
ثلاثون عاما مضت لم تتذكر خلالها مرة عيد زواجنا لتقول لي " كل عام وانت بخير " ربي يخليلي ياك " ...حتى في عيد الأم لم تكن تعايد سوى امك متناسيا انني بدوري اما. وانك بفضلي صرت ابا لثلاثة من الذكور ..ومعهم غدوت الثريا المضيئة في حياتنا بثلاثة شموع....


سواء في عيد زواجنا او في عيد الأم او في اعياد ميلادي كنتَ تستكثر علي دائماً " كل عام وانت بخير" و الله يحميلي ياك . ... 
و كثيرا ما كنت اشعر بالبرد ولم تبادرني مرة ب 
تعي دفيكي " ....



ثلاثون عاما مضت على هذا الزواج كنت تسافر خلالها لاهثاً خلف اعمالك طامعا في انجازاتك ،،لم تتصل بي مرة لتقول لي انك نشتاقني او تفتقدني وكنت تعود دائماً محملا بالهدايا ، ممتلئ الجيوب ......................وفارغ القلب ...


ثلاثون عاما هي مدة الرحلة كان حصيلتها ثلاث أطفال وعشرة جافة
لم يكلف نفسه الزوج فيها أن يعايد زوجته في مناسبة واحدة ولا يعلم أحد كم هي مهمة لدى المرأة تلك المناسبات وكم هي فرحتها عظيمة بمجرد أن يتذكر الرجل أن يقول لها جملة بسيطة كل عام وأنت بخير كافية لتكون بخير وبأفضل حال
ثلاثون عاما لخصتها الكاتبة بهذه النقلة في سرد معاناة بطلة القصة وتتيح باسلوبها المميز للقارئ أن يرى أحداث تلك الأعوام التي جملتها البطلة التي أصبحت أما وجعلت من البطل أبا يتفاخر بنسله وينسى أنه بفضل زوجته أصبح  وأمسى هانئا كما غرق في سفره ونسي ما عليه من واجبات أقلها شيء من الشوق لزوجته المنتظرة ..
وإلى آخر القصة أترك القارئ ليستمتع بها ويشعر بما أرادت الكاتبة المبدعة من إيصاله من وراء هذه الرسالة

وكم كنت اشعر بالأسى وانا احس انني اسكن في الجزء الخلفي من دماغك ،، واحوم دوما حول قلبك فلا تترك لي منفذا اليه عن سابق تصور وتصميم .........وكانت تسري في داخلي قشعريرة برد ولم تقل لي ابدا وقتها " تعي دفيكي " .


ثلاثون عاما مضت ...هل تعلم يا زوجي العزيز اي شوط قطعته خلالها من العذاب الصامت حين اعلم واتاكد انك تقطع في احدى نزواتك العابرة التي يقطع بها حكما معظم الرجال .... وكان علي ان اتحمل بروح رياضية ،، فاصبر بترف واتحمل باناقة لأن ما لقنتني اياه امي كان اطروحة في حسن التصرف واللياقة ....

ان للبيت اعمدة عديدة يا بنيتي هي الرجل وجسر واحد هو المرأة هو انت فلا تنسفي الجسور كي لا ينهد السقف على روؤس هؤلاء الصغار ابناؤك ..

وكنت وفية لحكمة امي وامومتي و وصية جدتي ...( الحكمة يا صغيرتي ثلثاها تغابي وثلثها فطنة) ..



هكذا كانت تردد على مسامعي ...لا حقاً حين تكررت نزواتك اضطررت للتعديل في الوصية ومسارها ...ولم تعد الحكمة في نظري تعادل ثلت فطنة وثلثان تغابي صارت باثلاثها كلها ....
التغابي ثم التغابي ثم التغابي .. لأن الفطنة كانت لدي والحمدلله تحصيل حاصل..


وكنت تظن نفسك حاذقا جدا وكنت اراك متذاكيا جدا فاتركك تعتقد انني آخر من يعلم ،،ادعك في عماك وانكفئ على نفسي ،، يرتجف قلبي ويكاد يثلج من شدة البرد ورغم ذلك ......

لم تاخذني مرة على صدرك لتقول لي انك آسف وانك اخطات " وتعي دفيكي 


ثلاثون عاما مضت ...

امتدت شجرة العائلة ،، ومن بيتنا تفرعت ثلاثة بيوت وصار لنا باقة احفاد صاروا فرح مواسمي وصارت ضحكاتهم الدفئ الذي يسري في اوصالي .......................ولم اعد اشعر بالبرد ....

زوجي العزيز ....انتهت رسالتي ..
لم افكر في الكتابة لك يوما ولكنه ذاك البوست .

تعي دفيكي """"" كان تلك النقطة التي طفح منها الكيل ،،، فانساب البوح وتفككت سلسلة المشاعر ..
ساترك الرسالة لك جانبا واذهب للنادي حيث ينتظرني صف " الأيروبيك " ودفىء الصحبة الحلوة ورفيقاتي ...



زوجي الحبيب .....
ابواب الدار مشرعة لك ، ،، وصدر البيت يرحب بك ، تركت لك المدفأة مشتعلة والحساء الدافئ الذي تحبه على المائدة بانتظارك ...
وفي حال كنت متعبا تستطيع التمدد عل فراشك والتامل بالسقف فوقك....
السقف مذكر اليس كذلك ؟؟؟ ولكن الوسادة التي يغرق فيها راسك وعنادك هي مؤنث ....فلا تنسى ذلك وتذكر .....دائماً تذكر ..


شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق