في ( المعنى الأدبي / دراسة أولية ) .. بقلم الشاعر باسم عبد الكريم الفضلي


في ( المعنى الأدبي / دراسة أولية ) 
يُمكن دراسة المعنى الادبي على أنه لغة [ منظومة إشاراتٍ وعملياتِ إتصال وفق آلية ( الدال / المدلول ) العاملة في ذهنية ( المؤلف / القاريء ) بشكلٍ جدلي مستمر ]، 


بمعنى أن اللغة ليست كاملةً في عقلٍ واحد ، بل يُستكمَل وجودها في مجموع الجمهور ( كما يذهب دي سوسير ) ، واذا كان ( آيسر ) قد ذهب الى انه ( لاتوجد حقائقٌ بالنسبة للنص ، انما هي 
مجموعة من الخطط لها وظيفة تحفيز ذهن القاريء كي يحدد لنفسه حقائقاً ) ، فإن دمج الوعي في مجرى النص على اساس التفاعل بين ( فعلٍ ) و (بنيةٍ ) في إطار ( القصد / تخيُّلي او تصوُّري في شكل بدهيات ذهنية ) سيحول القاريء الى ( فاعلٍ / منتج ) لذلك النص وفق جدلية ( فاعل / موضوع ) يؤلف كلاهما الآخر ، والتي تضعنا في جوهر موضوعة ( الإستدلال / الإتصال ) ، حيث يستوجب الأول ( اعني الاستدلال ) نظرية للشفرات ( علامات ، رموز بصرية او حرفية ، مفردات وغيرها ) ، والثاني ( الاتصال ) نظرية لإنتاج الإشارات ( مفاهيم او مُدركات ذات دلالة )، من هنا ينحصر المعنى بالبُنى اللغوية العامة المشتركة ولايمكن للمعنى ان ( يَعني ) إلا بفضل الآخر ( القاريء ) وتفاعله الايجابي مع تلك اللغة ، ويؤكد جورج بوليه ( ان النتاج الادبي مهما كانت صلته وثيقة بوجود المؤلف فإن له حياةً خاصة به ، يعيشها كل فرد بقراءته لذلك النص ) ، فالنص لم يعد موضوعاً في ذاته بل انه ( حدث ) او شيء يحدث في عقلية القاريء ، وبمساهمة القاريء نفسه بشيء من ( تأجيل الذات ) ، لذا فالمعنى الادبي سيتعدد بوصفه وسيلة لتجاوز المباديء العامة التي تمتص المعنى وتفرغه من محتواه ، حيث ان كل طبقة جديدة من الممعانى تشير الى استغلال ومحو المعنى السابق طبقاً للقصد الحاضر ، فالمعلقة التي وضعها ( طرفة او زهير او امرؤ القيس ) مثلاً لم تعد لها ذات الدلالات او المقاصد والتصورات ( الصور الشعرية ) في ذهن القاريء في وقتنا الحاضر ، مما يدفع هذا القاريء الى ( هدم التاريخ ) و الانطلاق من ادواته الفِهمية ( وهي ماتوفرها له ثقافته اللغوية والجمالية ) لتكوين ( إنتاج ) معنى خاصاً به قد لايشاركه فيه غيره من القراء ( اي تعدد المدلولات ) ، اي ان هناك ( معانياً ) قد تشكلت في عقلية هذا القاريء لاتكاد تلتقي مع المعنى الذي اراده مؤلف ( منتج ) ذلك العمل ( المعلّقة ) ، فالمعنى لم يعد ، وفق القراءة الحديثة للمنتج الادبي ، مُلكاً للمؤلف ، بل ان القاريء يستقي من المعاني ما يستقيه من النص، دون استرجاع الاسباب التاريخية او الانطباعات الشخصية لذلك المؤلف ، وهنا يتولد مفهوم ( تعدد طبقات المعنى ) ، حيث ان كل طبقة جديدة ( تزيح ) المعنى السابق لها ، فالهوية غدت ( ثنائية ) للنص ، فهناك ( معنى المؤلف ) ومعنى ( القاريء ) وهي تقوم بوظيفة المفارقة المحفّزة ، ونؤلف اساس الاساليب التأويلية ( ظاهراتية القراءة ) ، والمعنى اصبح مجسداً في ( شيفرة ) بما اضعف دور منتجه ( الفاعل / المؤلف ) ، بل يكاد يحيده .
ومما سبق نجد ان المعنى الادبي له تعريفٌ (هيوليٌّ ) غير محدد الابشكل نسبي تبعاً لوعي القاريء وفهمه وهنا يؤكد فيش ( وهو من كبار نقاد الادب الحديث ) ..{ لايمكن للمعاني ان تكون موضوعية لانها دائماً حصيلة وجهة نظر معينة ولايمكن ان تكون ذاتية لان وجهة النظر هذه انما هي اجتماعية او تقليدية دائماً }
من هنا اخلص الى ان المعنى الادبي هو ( موضوعي / ذاتي ) في آن واحد ، وقيمة المعنى هو بمدى ثباته ( اي وصوله بشكل تام من المؤلف الى القاريء ) وتحوُّله ( اي تكوّن معنىً اخر او مشترك نتيجة التحاور بين النص والقاريء ) اثناء فعل القراءة .
من هنا تتأتى خطورة فعل القراءة وجسامة مسؤولية القاريء ( واعني به القاريء الواعي والمسلح بالادوات القرائية الناضجة لا ذلك المستهلك السلبي للمنتج الادبي وبسبب فقره الثقافي يتهم النصوص الحديثة بالصعوبة والغرائبية وشذوذها عن المألوف ) . ، فالقاريء ( الفاعل ) يشارك بقوة في كتابة النصوص بوعيه العميق التحاور واسقاطاته النفس / فكرية على مجمل المنتج الادبي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هامش :
1 ـ دي سوسير : عالم اللغويات السويسري مؤسس المدرسة البنيوية في اللسانيات
2 ـ آيسر : من نقاد الادب الحديث المرموقين 
3 ـ جورج بوليه : من علماء اللغويات البارزين في ظاهراتية القراءة 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ/ باسم عبد الكريم الفضلي 

شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق