كليوباترا وقصائد أخرى
الشاعر الفرنسي: البير سامان
ترجمة: محمد محمد السنباطي
كليوباترا
I
متكئة في صمتٍ على شرفات البرج
الملكة - ذات الشعر الأزرق المشدود بأشرطة
وتحت التعزيمات المرعبة الصادرة عن المجامر -
تشعر ببحر الحب المشوش يصَّاعد في قلبها.
**
ساكنة، وتحت جفنيها البنفسجيتين
تحلمُ شاردةً بانزلاقات الوسائد،
أما قلائدُ الذهب الثقيلة التي يرفعها نهداها
فتحكي ارتخاءَها وتضرُّمَها الخفي.
**
وداعٌ ورديٌّ يطفو على جبين الصروح
المساء، مخملي الظلال، مفعم بالافتتان
بينما تنتحب التماسيحُ في البعيد.
**
الملكة ذات الأصابع المتشنجة، زافرة بلواعجها
ترتعش بإحاسيسها، ويداها الشهوانيتان البارعتان،
تُنهكان في الرياح شعرَها.
II
يجثم الليل ثقيلا على شط النيل المعتم
وكليوباترة راكعة تحت النجوم المشتعلة،
تشحب فجأة، تزيح النسوةَ فيتراجعن،
وتمزق سترتَها في لفتةٍ ماجنةٍ هائلة.
**
تقف بولَهٍ فوق السطح العالي
جسدُها البكرُ الريانُ ثمرةٌ ناضجة
تامة العري تهتز! ثم، منتصبة تحت القبة الزرقاء،
تتلوى كأفعى نارية في ريح دافئة نهمة.
**
هي تريد، وعيناها الصهباوان تنفضان البريق،
أن يمتلك العالمُ كلُّهُ عطرَ جسدها في ذاك
المساء
آه يا زهرة الجنس الغامضة المتناثرة في هواء الليل...
**
وأبو الهول المتحجر فوق رمل الضجر
يشعر بالنار تتوغل في جرانيتِهِ الصموت
والصحراء الشاسعة تتقلقل من تحته.
[سوناتا:أمسية صيف]
السماء ، كبحيرة من الذهب الشاحب ، تستشعر
الإغماء
يبدو أن السهل الخاوي على بعد- يتفكر.
وفي الهواء الذي يضخمه الخواء والسكوت
تنسكب روح الليل الحزينة
وبينما تبرق الأضواء الهزيلة هنا وهناك
أخذت الثيران الضخمة المقرونة طريق عودتها
والمعمرون في قلنسواتهم، وذقونهم على أكفهم
يتنسمون المساء الهادئ على أبواب أكواخهم
المشهد، حيث تحن النواقيس، مفعم بالنواح وبسيط
كلوحة جميلة لرسام بدائي
حيث الراعي الصالح يقود الحمل الأبيض المتقافز
النجوم، في السماء السوداء، تتثلج
وهناك، جامدًا، في أعلى الساحل
يحلم خيالٌ عتيق لأحد الرعاة.
====
( البدائي: صفة تطلق على فناني عصر النهضة الكبار
الذين اتسمت أعمالهم
بالبساطة والعفوية)
+++++++++++++
[السوق]
في الميدان، وعند بزوغ الفجر
يتضاحك سوق البلدة
ممراحًا، صخابًا، ذا ألوان شتى!
يعرض دون نظام أنوع الجبنِ، تلال الفاكهةِ،
سلال البيضِ وعسل النحل
والأسماكُ الناصعة الفضية تكشف عنها رائحة نفاذة
تمسك" ميلين" صغيرتها "
أليدي" من يدها
وتشق بشق الأنفاس طريقا بين الناس
تتباطأ ثم تروح وتنظر، ثم تجيء وترقب ما يعرضه
الباعة
يلتفت محياها صوب نداءاتٍ زاعقةٍ
تختبر بيدها وزن الفاكهةِ
تساوم في أسعار بواكير الموسمِ
تمرق ما بين الأصوات المتعجرفة وطفلتها في يدها
ما أسعد تلك الطفلة بزحام الأجسام وبالهمهمة
وبالغمغمة
وبالنسمات وبالماء الجاري...
والأوبرج الصاخب مدخلهُ...
وحمير، لم تكبر بعدُ، رمادية
والأرض يغطيها ما يتخلف من أكداس الأوراق الخضراء
وتخيرتِ الأم الفاكهة، وخضراواتٍ، وابتاعت بطهْ
تنعم بالحيوية ولها ريش فاتن
وتصفق "أليدي" بيديها إذ تسعدها الأم
بأن تعطيها السلهْ
آهٍ لذراع الطفلة تتلوى وهي فخورهْ
ويميل القد إلى الخلف ولا شكوى
والبطة كسجين يرفض ويشاغب
تُخرج من حلقات السلة منقارًا أصفر..وتصيح
[خريف]
الريح العاتية التي تغلق المصاريع
تلف الغابة كما يُلف شعر الرأس
والأفرع المصطدمة يصدر عنها هدير جهير
أين منه تلاطم الموج إذ يصدم الحصى والصهباء!
الخريف الذي يهبط على التلال المغطاة
يجعل أفئدتنا تختلج تحت خطاه الثقال
وهكذا بمزيد من جبروته يغتم ويتكدر
ذلك اليأس الرقيق للزهور الطائرة المتناثرة
إن طيران الزنابير الذهبية التي كانت تتماوج دون
هوادة
صار يصرّ صرير مزلاج يحتك بالصدأ
يرتعد الكوخ الخشبي بينما الأرض مبللة
والغسيل الأبيض المنشور يصطفق مضطربا خلف السور
********
(ولد البير سامان عام 1858 وهو من أنصار المذهب
البرناسي، وأحيانا الرمزي، وإن ظل شعره ناصعا مشرقا. يمكنك أن تقول إنه الأكثر
كلاسيكية بين الرمزيين. توفي عام 1900)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق