حبيبي المحلًى بمرارة السكر / كتبت الأديبة / نوره حلاب

حبيبي المحلًى ...بمرارة السكر ..

يا حبيبي ، ألمحلّى بمرارة السكر .
لم تعد عيناك واحة حب مسوّرة ، بنخيل العشق الأغبر ، لم تعد أغنيةً رقيقةً تشدو ولم تعد مياهها أوف الشوق والعتابا والميجانا لذاك الهيام الذي لا يُقهر .

صارت عيناك نشرة أخبار مفصّلة عن حال طقس الصحة ألمُمطر وضباب المزاج ألمعكّر .
يا حبيبي ، ألمحلّى ... بمرارة السكر ...
لم تعد خدودك الوردية ، كعكة الحب ألشهية ، صارت أخاديد تتكسّر على حوافها فرقعة قبلاتي البهية .
لم تعد شفتاك خوابي الغذاء الملكي والعسل المصفّى ، لم تعد هي الدواء لكل داء ، صارتا لا تنفرجان إلا لكبسولة دواء أو لرشفة من كوب ماء .
يا حبيبي ، ألمحلّى بمرارة السكّر ...

لم يعد صدرك ساحة الحنان ألفتّان ، تداعت حصونه ودُكّت أسواره وصارت تحت أثقاله عضلة القلب ترزح وتلهث وصار الشريان من ضيقه يكاد لا يتنفّس .
مضى العمر وانت تهادن ،تداعب وتلاعب هذا المرض الأخطر . مضى العمر ولم تُدرك بعد أنه في فنون القتال هو المحترف ، هو اللاعب الأمهر ...
يا حبيبي ، ألمحلّى بمرارة السكر ....
لم تترك معه تحدياً إلا وجربته ولا سباقاً إلا وخضته .

كيف لم تفطن أن دراجتك يا حبيبي في أشواط ألسباق كانت هوائية وأن غريمك كان يتلطّى لك ليزرع في دربك مئات المسامير ألخفية .؟؟؟!!!
في كرة السلة كنتَ تظنّ نفسك الكابتن وصاحب الحظ الأوفر .!!!!
كنت تتوهم وتتصور أنك سترمي كرتك في السلة ، غلّة اثر غلّة ولكنه بالمرصاد كان لك عدوك اللدود الأكبر ، يغافلك ليختطف كرتك خارج السلة والمكان ويطيح بك منهكاً خارج مرفئ الأمان .

كان غريمك السكر هو الحاكم بأمره ، بأمر اللعبة والملعب.
في كرة القدم ، كان يراوغك حتى يستنزفك ليفوز عليك بعدها بضربة جزاء قاضية وتلتهب الأكف تصفيقاً له على المدارج وتنطرح انت على ارض الملعب لاهث .

يا حبيبي ، المحلّى بمرارة السكر ..
مضى العمر وانت لا تنتصر عليه سوى في ألخيالات والأوهام ، مضى العمر وهو يشننّ عليك الحروب والغزوات فيسحق منك اليابس والأخضر ...
هل تذكر ذات يوم بعيد حين وعدتني أن تهديني حباً ينمو في حقول قصب السكر ؟؟؟ 
قلت لي يومها أنك من منجل حبي لن تملّ ولن تتعب ستمضي لتقطع لي به كل حزمات القصب اللامع لتعصرها لي فأشرب واشرب وترتوي أنت على مشهد ارتوائي وأنا أشرب .
يا حبيبي ، ألمحلّى بمرارة السكر .

لم نكبر معاً لنستمتع سوياٌ بطعم اللوز والسكر .
كبرت انت وحدك وتصرّ علي في كل حين ان الحق بك ، ان اهرم مثلك ويا ليت اكثر واكثر .
كبرتَ ولم تهدني سوى التين والخوخ ألمجفف ، وصرتَ تزيّن لي فوائد كل ما هو جاف ويابس واصفر ..
وكان علي أن اسايرك حتى صارت الغصة في صدري تتسع وتحفر كل يوم هوّة تكبر وتكبر ...

يا حبيبي ، المحلّى بمرارة السكر ..
في بيتنا صارت المشاعر تستنفر ولم تعد تُتقن من فنون الحب سوى أن تتأفف سوى أن تتذمر . ..
كان حبك لي فيما مضى صيفاً أفريقياً ساخناً ، اليوم صار خطيئةً مميتة وصار حبي لك صبراً جميلاً و مغفرةً فريدة ..
اليوم صار ألحب في بيتنا مجرد تمنّي شعاع ضئيل دافئ ولا شئ أكثر .
يا حبيبي ، المحلّى بمرارة السكر...
كيف التبس عليك الأمر ذات يوم بعيد فاحتفلتَ وهللتَ وكبرتَ لهذا المرض الأغدر ؟؟؟!!!
كيف فرشتَ له حقول الرياحين ومددتَ له السجاد الأحمر ؟؟؟ 
كيف وهبتَ له بطوعك عمرك ودون إذني صادرتَ عمري ، فراشاته ، ازهاره ووروده سقحتها كلها تحت أقدام مرارة هذا السكر . حتى فضاءه لوّثته بسموم هذا الجباّر المارد الأرعن ..
أتأملك هذا المساء ، انظر فيك واتذكر ...
كيف كنت شديداً عديداً انيقاً تتمشى على طول مساحات قلبي ، تقطع عليه الدروب متى شئتَ وانت تتكبّر ، تتوعد وتتجبر...

اتامل ضوء الحياة الشاحب في عينيك فأُذهل وانا اتفكّر كيف لا زلتَ تعتقد أن العين اصابتك وأنه لا يُعقل ابداً ان يغدر بك هذا الوحش الكاسر ..." مرض السكر " .
يا حبيبي المحلّى على عدد الثواني والدقائق والساعات بمرارة هذا السكر ..
الم تعلم بعد ان الغدر ثم الغدر ثم الغدر هو كل شيَم هذا المرض الكافر الأكبر ...
نوره حلاب /// لبنان


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق