( سنابلٌ حُبلى
)
________
________
حصيرةٌ تُلامِسُ شِغافَ الثرى بِعناقٍ مُثير ، الوسادةُ الحُبلى بعيدْانِ قشٍّ منِ زمنِ قصبِ النهرِ الأزليّ تُناورُ بمكانها ، أبريقُ شايٍ وكأسٌ على حافةِ عُمْرٍ عتيق ، المِنجلُ يتأرجحُ على جِدارٍ طينيِّ الملامح ، يحتسي الفلاحُ الخمسينيُّ آخر رشفةٍ مِنَ الكأس ثُمَّ يمضي ، تجاوزتْ عقاربُ الساعةِ مُنتصفَ ليلٍ صيفيّ ، الزوجةُ مازالتْ تلتحِفُ أشلاءَ وسادة ، قميصُ نومِها الأحمر يُدندِنُ لحنَّ الحُبِّ في رُدهةِ زاويةٍ مُتخفّية , الحصيرة تكاد تشي بأسرار تلك الليلة ،
يمتطي الرجلُ مِنجلَهُ ، حِذاءٌ بلاستيكيٌّ أسودَ تغلبَ على ظُلمةٍ هادئة
، هُناكَ على ضِفّةٍ أُخرى ، تنتظرُ سنابلُ قمحٍ ، تُحاولُ الصمودَ قليلاً ,
ورُبما كانت تُحاولُ الفرار ، ترنيمةُ موالٍ تكسِرُ سكونَ الليل ، يمدُّ المِنجلُ
لِسانَهُ الحادِّ ، السنابلُ تتهاوى منْ شُموخها للحظاتِ , ما تلبثُ أنْ تُعاوِد
اِستجماعَ قِواها , جمهرةٌ على صدأ الأرضِ ، قطراتُ الندى تُطِلُّ بِرأسِها منْ
خلفِ أُفقٍ عنيد ، التعبُ يُعلِنُ قدومه ، إنّهُ الحاضرُ الذي لا يغيب ، أسندَ
الفلاحُ مِنجلهُ إلى كتفِ كومِ سنابل ، دُخانُ سيجارةٍ يُدغدِغُ قطرات الندى ،
ينفثُها منْ أعماقٍ مُهترئة ، قذفَ بآخرِ بقايا السيجارة ، لِيُمسكَ المِنجلَ
مرّةً أُخرى ، فجأةً رمى بهِ وجَرَى خلفَ جذعِ سيجارتهِ ، مازالَ بصيصُها حيّاً ،
دَسَّهُ بينَ ذراتِ التُرابِ
النديّة ، أشعةُ الشمسِ تحتفلُ بولادةِ فجرها ، صوتٌ
آتٍ من بين براثنِ مطرقةٍ مُرهقة يدقُّ مسامعَ الزوجة التي كانت هُناكَ على تلك
الحصيرة ، قميصُها الأحمرُ مازالَ يُعانِقُ الجسدَ الأسمرَ بِشغفِ رجل ، قفزتْ منْ
مخدعها : ( يا إلهي أشرقتْ الشمس وأنا هنا ) اِبتسمَ الفلاحُ وهو يدسُّ قِطعةَ
الخُبزِ الساخنةِ بجوفهِ المُتربّص ، الزوجةُ ترْقُبُ رَقْصَ السنابل ، الصباحُ
يُلبي دعوةَ الديكِ المُزركش , سنبلةٌ تتمردُ بشموخٍ على هاويةِ المنجل ...
________
وليد.ع.العايش
21/8/2016م
________
وليد.ع.العايش
21/8/2016م
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق