قراءة في قصيدة "قارعة الترقب" للشاعر : شلال عنوز / أعدها / فارس بن جدو



قراءة في قصيدة "قارعة الترقب" للشاعرشلال عنوز / أعدها / فارس بن جدو
النص :
أحملُ رأسي 
فوق رأسي
في موكب 
جنائزيٍّ بليد 
حيثُ السائرين 
موتى
أجرُّ ذُيولَ
الخُطا 
فتجرُّني 
للوراء

أبحث عَنّي 
حيث لا أثر 
غير ندوب 
زمن جلّاد
يتوارى خلف 
متاريس الفَقد
في دروب
تّحوصَل فيها
الشرُّ
عاث فيها لهاث 
التشرذم
ألتحفُ ...
شجر الندم
في طرقات 
سبي الأُمنيات
تلتهمني شراهة
الحزن
في بوابات
مُدن الأكفان
نواحاً ...دمعةً
يشربُني 
طوفان الأنين
منذُ عقود ستّةٍ
ونيّف
جُرعاتِ خيبةٍ 
حلماً عقيماً
أستشرفُ 
يَبسَ روحي
عند أُتون 
قلاع الرُّقاد
عنف مواسم 
القَحَط
يَصلبُني الأسى 
خيباتٍ
فوقَ سروج 
ريح الجّوع
أتشرنقُ 
على ناصيات
السَّواد
أشهقُ كأم 
فارقت صغيرها
قبل أوان
الفِطام
تتوسدُ عطر مَهده 
تتوضّأ 
حليب الحسرة
تُذعن 
لشقاوة الحَنين
أفتشُ في 
جيوب الذكرى 
عن فرح 
مُختطف
أُسائل الرّاحلين 
القادمين 
هل رأيتموه ؟ 
حتى ولو شبحاً ؟
لاجواب !!
سوى نعيب 
غراب التصحّر
وهذا الصراخ 
الذي لم يَنم
يأكلُ..
كلّ هدوء
البَوح
يُزمجرُ هائجاً 
يُصادر رقص 
الفراشات
يرحلُ السنونو ويعود 
في كل عام
والجَّدبُ يستبيح 
بساتين الرجاء
قالت أمي 
ذات مساءٍ 
أخرس :
لا تُكثر السؤالَ 
عن موعد
نزول المطر؟
هو يهطلُ
بلا موعد 
آه ياأمّي ...
منذ ذلك المساء 
القروي البعيد
المشحون 
بشجن الوَلَه 
وأنا انتظرُ 
طيف المطر
أرضعُ خاصرة
الرعد
أُدمنتُ صلاة 
الاستسقاء
لكن المطر 
بعيد المنال 
والسماء لم تزل
عاقراً
ولاهطول ..
سوى مطر
الدماء 
يفور تنّوره
في قلبِ
جرح الوطن
الله يابلادي !!
شاخَ ليل الأرق 
ومازال صباحُك 
مُنوّماً
لم يوقظه 
صراخ المِحَن
كلُّ المواجع تَترا 
على ضجيج
البكاء
تصلّي..
عند جداول
الجفاف
تذرفُ دموع 
المنافي
في دياجي 
المتاهات
تلوكُ ..
لُبان الضَّياع
في سرايا 
التغرّب
ترتجفُ..
حدَّ الاحتراق
وأنت نائمٌ 
تُكثر الشَّخير
في ميادين الركض 
الى الخَلف 
أيُّها المُمتحن 
بدُجى الفتنة
متى يدبُّ فيك 
نسيم الصحو؟
وتَمسكُ تلابيب 
التوحد ؟
لتنام بلا شجن 
مفخّخ الوجع 
تنزعُ ثوب 
النُّكوص
عند أسوار التشرّد
وتفتحُ باباً 
تَدبُّ فيه 
ابتهالات نسيم 
مُفعم بالعشق
معلناً انتصار 
الحب
عند قارعة 
الترقّب
القراءة :
١)- يتمتع النص بإيقاع بصري رهيب يستلهم كثافته الإيحائية و دلالته البصرية من تقنية " التدلي " و هي تدلي الوحدات اللسانية من أعلى إلى أسفل بشكلٍ يوحي بالاسترسال و الانسياب الوظيفي للألفاظ المنتقاة من الرصيد و انفاتحها على الإطلاق الشاعري ، و بحسب معيار البرهنة بالتضاد ؛ يحيل التدلي إلى عملية التسامي في التحليل النفسي ، و هو تسامي الفن من البنية العميقة السفلية ( اللاشعور ) إلى البنية السطحية العلوية ، بعد اصطدامها بالأنا الأعلى ( سلطة العادة ) ، و بهذا تصطف الألفاظ على شكلِ رؤيوي ينصهر في بوتقة " العبارة الطويلة " و هي عبارة تتميز بصعوبة الاختتام ،مما يجسِّدُ تمتعها بالإطلاق الشاعري و الانفتاح على مختلف الدلالات المتعلقة بأفق الترقب .
٢) - و من جهة البنية الإفرادية ؛ يستند النص إلى خلفية إبستيمولوجية تتعلق بالمكون الوجداني للتشاؤم ، و هو مكون تؤسس حضوره المقومات التالية ( الجرح / الحزن / الشجن / الدماء/ المطر بعيد المنال / التصحر / الجفاف / القحط / الصراخ ) و هي مقومات تستندُ إلى معيار الألم ، و تعبر عن محور ( تشاكل / تباين ) فالتشاكل نلمسه من خلال دلالة المورفيمات على لحظة الانفعال إزاء وارد نفسي ( حزن )، أما التباين فينفتح على دلالتين متضادتين : دلالة الأنا الذاتي و دلالة الأنا الجمعي ، فالأنا الذاتي يعبر عن موقفه تجاه الطبيعة حسب : ما تراه الأعيان و ما تتخيله الأذهان ، أما الأنا الجمعي فيطل على الإبداع من نافذة الجماعة ، مما يحيل إلى النزعة الوطنية في صورةٍ تجمع بين سنيِّ القحط التي ألقت بجرانها على الوطن و سنيِّ يوسف (عليه السلام) العجاف ، و الجامع بينهما في ميزان المعادلة هو الدلالة على التشاؤم و اللاأمل في انتظار القِطر ، بين ما كان و ما سوف يكون ؛ يحمل الشاعرُ رأسه فوق رأسه،استلهاما من واقعة تعبير الرؤيا ( إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ) ، كنايةً عن اللاجدوى من الترقب ، و هكذا يستند البناء الفني من جهة الوحدة العضوية إلى التناغم الوظيفي بين الصور الشعرية و التناص ،على سبيل المقارنة بين الماضي ( السنون العجاف في عهد يوسف ) و الحاضر ( سني القحط التي تخيم على الوطن ) ، في انتظار ماسيكون في المستقبل : هل الترقب قاب قوسين من الوصول إلى بر الأمل ، أم أنه لا يزال حبيسَ اللاأدرية ؟...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق