دانتيللا
-"سنة
الحياة حبيبتي ، احمدي الله الذي منّ عليك بطول العمر حتى رأيت ابنتك عروساً، لا
تكوني جاحدة".
هكذا صرخت صاحبتها المعروفة بطبعها الحاد ، هذا الطبع الذي تتغاضى عنه معها بالنّظر إلى مروءتها
هكذا صرخت صاحبتها المعروفة بطبعها الحاد ، هذا الطبع الذي تتغاضى عنه معها بالنّظر إلى مروءتها
واندفاعها لمساعدة الآخرين، لكنّ هذا الرد لم يُطفئ ناراً مشتعلة في قلبها يتصاعد أوارها مع كلّ يوم يقرّبها من عرس ابنتها،
-" لا أدري صديقتي، هناك قلق يعضّ قلبي ، ذاك الشاب الذي اختاره قلبها، فاحتل كيانها، وفرضته علينا، هناك شيء لا أدري ما هو يؤرّقني ، ينخر كالسوس في تلافيف مخي ..."
-"دعكِ من هذا الكلام ، ستقتلك الوساوس ، أي شخص سيتقدّم لخطبة ابنتك سيكون موقفك منه عدائي ، كلّ ذلك بسبب تعلَّقك الغريب بابنتك ، متى ستدركين أنها ليست لك ، هي بنت الحياة ، و ستنجب أولاداً سيكونون أبناء الحياة ، تلك سنّة الله في خلقه، دعي عنك تلك الهواجس ، وساعديها بتحضيرات العرس ".
لم تفلحْ كلمات تلك الصديقة بإدخال الطمأنينة إلى قلبها المشتعل ، لكنها اقتنعت بضرورة أن تقوم بدور أم العروس على أكمل وجه.
الذهاب إلى الأسواق تبضّعاً لجهاز العروس كان أكثر النشاطات فعالية وأنجعها للتخفيف من القلق الذي يعضّها، تعود منهكة لتنام دون هزّ
مستغنيةً عن الأقراص المنوّمة التي لجأت إليها كحل إسعافي لمواجهة الأرق الذي هاجمها بشراسة منذ الأيام الأولى لدخول عريس الغفلة إلى حيّز عائلتها الصغيرة .
على الرغم من محاولاته المستميتة لكسب رضاها وثقتها، إلا أنها بقيت تنظر إليه بحذر وتوجّس ،
شيء ما يغزو فكرها معلناً لها أن هذا الشاب لن يسعد ابنتها ! لا بل سيشقيها!
لذلك كانت تحصي عليه أخطاءه، وتعرضها على ابنتها في محاولة لحملها على النفور منه وفسخ الخطوبة، لكن الشابة كانت مغرمة ، وقد تاه منها العقل وساد القلب معلناً الشاب ملكاً على أرجائها قاطبة ، لم يبقَ في قلبها أو عقلها مساحةً لإدراكٍ أو حكمة ،
وظنّت أن أمّها من فرط تعلّقها بها لا تريدها أن تغادرها إلى أيّ كان ، وقد تحكم عليها بالعنوسة ، من منطق أنها ما كانت على وفاق مع زوجها( الوالد ) الذي أمعن في التنكيل بها حد الاستعباد ...
-" أمي أرجوك ، سامي يختلف عن أبي ، هو يحبني ويحترمني ، ولن يظلمني كما تظنّين ، أدري أنك تخافين علي ، لكنه لن يكون كأبي أبداً"
-" سيكون ألعن من أبيك وأكثر قسوة " أسرّتها في نفسها ولم تُبدِها .
تكتفي بهز رأسها غير مقتنعة ، تتمتم : " أرجو من الله أن يخيّب حدسي لأنعم بسعادتك".
صار جهاز العروس مكتملاً تقريباً ، لم يبقَ إلّا شراء ثوب العرس ،
-" ثوب العرس على العريس ، نذهب معه ومع من شاء من أهله لانتقائه ".
قالتها الأم على أساس أنّ هذا الأمر تحصيل حاصل بحكم العرف والتقليد، لتفاجأ بابنتها تقول بإصرار : " أمي أريد يوم عرسي أن أرتدي ثوب عرسك أنتِ!
ثوب الدانتيللا الأبيض ، أحلمُ بلبسهِ يوم زفافي مُذ كنت صغيرة ...!أرجوكِ حققي لي هذا الحلم ...!"
اتسعت عيناها على آخرهما ، وفغرت فاهها ، واكتسى وجهها بمسحة ذعر حقيقي : " لا لا ، لن يكون ذلك أبداً !
هذا فأل سيء .. لا أريد لك عيشة كعيشتي .. لا لن يكون ذلك .. أريد أن أراك سعيدة لا شقيّة كحالي .. أرجوك غضّي الطرف عن هذا الأمر ..!"
لكنّها وبعنادها المعهود أبت إلّا أن ترتدي ثوب زفاف أمها بعد إجراء تعديلات عليه بما يلائم الموضة السائدة ، ضاربة برأي أمّها عرض الحائط ، متّهمة إيّاها بتبني الأفكار الخرافية التي لا أساس لها ، فقط تخاريف ....
كانت ساحرة بثوب الدانتيللا الرائع ....!
-" وكأنّ أمّي_ رحمها الله وطيّب مثواها_ كان الحجاب مكشوفاً أمامها ورأتني كما كانت تخاف أن تراني ....!"
د .عبير خالد يحيي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق