البحث عن الموجود / كتبت الأديبة / عبير خالد يحيي

البحث عن الموجود

لفتني اليوم فيلم فيديو أرسلته لي صديقة على الواتس, لآ أخفيكم ليس لي كبير الاهتمام في التعامل مع أفلام الفيديو، لكن كونه من صديقة أعرف مدى جديتها وحكمتها فتحته , رجل إنكليزي في صالون حلاقة , يريد قص شعره , لفتني أنه طوال فترة الحلاقة يقرأ كتابا, قلت : " الأجانب يقرؤون كثيرا , لا يدخرون دقيقة انتظار دون قراءة". ظننت أن هذه هي العبرة ..

بعد أن انتهى من الحلاقة وأعطى الحلاق أجره , و عندما أراد أن يغادر, بادره الحلاق قائلا : " أنا لا أؤمن بوجود الله !".
نظر إليه بدهشة ّ! لم ينتظر الحلاق سؤاله لماذا ... بل استأنف قائلا : " هناك الكثير من المتألمين , الكثير من الأطفال الأيتام , الكثير من المظلومين , الكثير من الجوعى والفقراء والأشقياء , لو كان الله موجودا , وكما يقولون هو عادل كيف يرضى بذلك ؟ّ! لذلك بت متأكدا أنه غير موجود ."

نظر الرجل إلى الحلاق ولم يحر جوابا...! غادر الصالون متمتما بحيرة : " أراك لاحقا "
خرج من الصالون وهو يقلب كفيه بحيرة, التفت إلى يمينه , رأى شابا يعزف على الغيتار , له شعر طويل أشعث وقد ربطه إلى الخلف كما الفتيات , تحدث معه قليلا ثم دخل معه إلى الصالون مرة أخرى , ألقى التحية على الحلاق وقال له : " أنا متأكد أن الحلاقين غير موجودين !" نظر إليه الحلاق بدهشة ! رد : بل موجودون .. ها أنا ذا " هز الرجل رأسه نافيا : " لا بل هم غير موجودين ، و لو كانوا موجودين لما طال شعر هذا الشاب هكذا " ضحك الحلاق وقال : " الحلاقون موجودون , لكن هذا وغيره ممن يشبهونه لم يأتوا إلى الحلاقين " .

أجاب الرجل بسرعة : " وكذلك الله موجود , ولكن هناك أناس لم يأتوا إليه "
فغر الحلاق فاهه مصعوقا !.
نعم الله موجود, يقول للفقير : " عبدي حرك يديك أنزل الرزق عليك "
يقول للمظلوم والمحروم :" ادعوني أستجب لكم "
يقول للملهوف والخائف والمهموم : " ففروا إلى الله "
يقول ويقول ويقول ....
الحقيقة موجودة, تنتظر من يبحث عنها ويستجليها , لكن الناس تستسهل الأضاليل .

الصدق موجود , ولكن الناس اعتادت الكذب لأنه يقدم لها مبرهجا.
الحب موجود , لكن الناس زهدت به لأن الخيانة تزينت وتعطرت .
الحلال , الخير , الكرم , الإخلاص , الإتقان , حتى السلام .......
كله موجود ينتظر من يبحث عنه ويأتي إليه....
فمتى نبحث عن الموجود ؟
د. عبير خالد يحيي


شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق