كتاب قصائد الخالدين

بعض مما جاء في الكتاب قصيدة الصباح للشاعر النرويجي هنريك إبسن

يا لروعةِ الصباحيأتي مثقلاً بالأماني الذهبية،
والكائنات الوديعة تتحرك في كلِ ركنٍ من الأرض الندية.
بأي سحرٍ عجيب تدفع الطبيعة السمحة كل شعاعٍ من
ضياءِ النهار الطالع!..
كيف نشعر بأننا أقوياء أمام اليوم الوليد؟
لكم نحب الحياة، حين يغمرنا السكون الطليق في هدأة
النسيم البكر!..
إنها البراءة، تمنحنا الشجاع َ ة والإيمان والثقة بالنفس،
لأنها تضم جميع الأحياء في أولى ساعات النهار..
أجل!. إنها غبطة القلبِ، حين يرى كلَ كائنٍ مخلصاً لذاته،
في وداعتِه وهدوئه، في ضوضائِه وصراعه الحيوي العنيد..
وها أنا ذا؟ الإنسان بين الجميع، فهل لي أن أكون ما جبلت عليه؟..
وأنا الذي أعرف الزمن كما لم يعرفْه أي كائن؟
وأستطيع أن أتلف َ ت إلى الوراء بالعديدِ من الذكريات
الغنية الألوان؟..
ألا أستطيع أن أكون ذاتي وأن أعيش بكل جوانحي،
كما تفعل الأزهار، كيف تقطِّر نس َ غها الريان في الأوراق الزاهية!
ولكنني تعلمت منذ القديم حكمة الأوائل الغابرين:
ما ينبغي أن تكون إياك، أيها الناظر إلى البعيد،
يا من ترنو إلى الذرى النائية في غمرات السحب الشاهقة،
لقد وجدت لكي تَقهر طبيعتك، لكي تتجاوز الطرقات المعبدة،
لكي تحطم كل سياج شائك، لكي تسمو إلى كل منتظر لم تنله يد إنسان...
ذلك هو القدر الذي يحمل مصير الإنسانلابد من الارتفاع،
ولكن من ارتفع فقد هوى،
فكيف السبيل إلى أن نجابه هذه العزلة الممتدة إلى
الآفاق البعيدة؟.
لماذا كان كل هذا الفراغ؟ لماذا الامتداد اللانهائي،
ما الذي يتلألأ في البعيد؟.. أهو البحر؟لاإنه السراب!
البحر في نهاية الغروب، ونحن أمام طلائع الشرق الجميل..
وماذا تحمل للعيون سلاسل الجنوب المتعرجة في قوافل
الغمام المنحسر؟.
إنها الجبال تسيج الأرض لتمنع عنها عاصفات
الشتاء الغريب..
بعد حين تطرد الرياح من أروقة الشمال كل قتام الغيوم الواعدة..
وتنهمر الأمطار الغزيرة على رمال الصحراء، وتعبث الليالي بذوائب
النخيل.
الذي يحرس ركام القرى المبعثرة بين التلال..
فأين تمضي أيها العابث في متاه الزمن؟.. أين أمضي؟.
إن لي بحاري وأمطاري، ومن أعاصيري تهب الرياح خالية من
الرمال..
أين أمضي بالزوابع العاتية تزأر في دمائي، ويهدر بها كل عصب
مختلج؟..
هل أستطيع أن أَعبر الحدود؟ أن أرى العواصم المتوهجة بالصخب
والضياء؟.
هل أسلك شعاب المحاربين الأشداء، وهم يهرعون لصراع الموت
العنيد؟.
يا للعزلة الحزينة، أمام الأماني الجامحة، التي تعصف بالقلب الذي
يجهل الارتواء!.
سوف أمضي إلى جميع جهات العالم، لكي أشهد حريات الشعوب!..
سوف أُقاسم الظافرين غنائم المعركة الأخيرة،.. ولكنلا.. لا أريد إلا
حصاناً رشيق الحوافر..
ينطلق بي عبر البوادي في صهيل، يقرع صخور الجبال المطلة من
البعيد..
سوف تعلمني صهوته الجريئة، كيف أنسى ما كنت، ومن أنا، وماذا
سوف أكون...
ولكنه اللحن الجميل ينساب إلي في هدأة الصحراء..
تعالي إلي، أيتها السمراء ذات الخطى الراقصة..

إنها الصحراء، والماء يزدهر بالنجوم، ورياح السموم ترحل إلى
الشمال..
إن سكين َ ة الليل تنادي همساتِ القيثارة وعزيف الناي العذبة..
لقد آن لنا أن نطأ الرمال الدافئة، بعيداً عن عواصف الخيال، وأشواك
الندم..
آن أن نستعيد أيام الطفولة في حنان الربيع العائد...
حين كنت صغيراً كانت لي روح بألف جناح..
وكنت أذهب كل يوم، وقد أغلقت ورائي باباً، ما كان لي أن أعود إليه.
كلَ صباح، كنت أبحث عن حب جديد، وفي المساء أبكي المواعيد
الضائعة.
ومن دموعي نسجت شراعاً أصم يمزق صدر الرياح..
لأن الآلام الشابة هي كالأرض المنيعة، لا تعطي ينابيعها الغزيرة إلا
من الأغوار..
وحين بلغت الشاطئ، من عرض البحار أو امتداد السراب، أحرقت
شراعي، لأن الهواء الطليق لم يترك من دموعي إلا الأخاديد الجافة..
فلنغن فرحة الحياة، لأن الجمال ينتظرنا أبداً على الضفاف المقفرة..
تريدين أن تعرفي ما هي فرحة الحياة؟.. إليك ما تريدين!.
هي أن ننطلق عبر الزمن المنساب في الأخاديد الخفية، دون أن نلوث
أقدامنا، أو نبلل ذيول الثياب..
أن نكون أطفالاً حين نضحك للورد المتفتح، والبلبل الثرثار..
أن نضرب الأرضبخطوات راسخة حين تفيضجوانحنا بعنفوان الشباب..
أن نقطف الثمار قبل أن تسقطها رياح الخريف... قبل أن تتغضن
عروق اليدين..
إن النسر المحلق فوق الذرى، يفقد ريشه يوماً بعد يوم، وفي كل عام
تهوي في الغابة شجرة عتيقة يابسة الجذور،
والشعر الرمادي الأغبر يتألق على الفودين ببياض الثلج اللامع..
حتى الذكريات تضمحل وتهرب من مخيلة الإنسان الذي استهلكته
الحياة..
ولكن خلجة واحدة في القلب، تبعث حياته من جديد...
مثلما تضيء شمعة واحدة، جحافل الظلام الكبيرة..
إنها كلمة وحيدة تتهامس بها الأعصاب، حين يغزوها صقيع الأيام..
فيتنهد الدفء في الدماءِ الصامتة..
كلمة وحيدة ولكنها لا تقال، بل ترتسم في بريق العيونساعة اللقاء

الأول، وكذلك حين نريد الرحيل..__

للتحميل من هنا

شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق