الرهينةُ / بقلم الأديب / سليم الجط

الرهينةُ

أقفلت° بابَ الغرفةِ على نفسها،حبَسَتِ العالمَ كلَّهُ خارجَها،أغلقتِ النوافذَ،وأسدلت° ستائرَها،خشيةَ أن يكشفَ الهواءُ أو ضوءُ الشمسِ أسرارَها،أسرعت° متلهفةً نحو خزانتِها،أخرجت° منها ثوبَ زفافٍ مطرزٍ يخلبُ الألبابَ،بتطريزاتِهِ وألماساتِهِ البرّاقةِ،ارتدَتهُ يااللهُ!،كم أنا جميلةٌ،ملكةٌ حقيقيةٌ،دارت° حول نفسِها،رقصت° ورقصت° ورقصت°،كفتاةٍفي العشرينَ،رغمَ أنها تجاوزَتِ الأربعينَ،هذه هي عادتُها منذُ خمسةَ عشرَ عاماً،هاهو (كمالُ)حبيبُها الوحيدُ الأوحدُ،يعانقُها،يلثِمُ فمَها،يحتويها بينَ ذراعيهِ،تذوبُ وتغيبُ عن وعيها رُويداً رُويداً،ثم يحملُها كدُميةٍ خفيفةٍ،كفراشةٍ تطيرُ وتطيرُ حولَ نارِ حُبّهِ،ولاتخشى الاحتراقَ والموتَ،كم أنتَ،دافئٌ،وطيّبٌ،وحنون،يا(كمالُ)،أحبُّكَ،أحبُّكَ.


رأت° نفسَها في حديقةٍ غناءَ،جنةٍ خضراءَ مثمرةٍ،ومزهرةٍ،بشتى الألوانِ،وهاهُم° أطفالَها الذينَ أنجَبَتهُم° أحلامُها الورديّةُ،يتراكضونَ فرحينَ مزقزقينَ، كعصافيرِ الدُّوري البريئةِ،حولَ والدَيهِم،يااللهُ،ماأجملَهُم°،صبيٌّ وبنتٌ،قمرانِ أضاءا عتمةَ أحلامِها،وفجأةً.....
تغيَّرَ المشهدُ كلُّهُ،تذكّرَت° تلكَ الليلةَ المشؤومةَ،عندما وصَلَها خبَرُ وفاةِ عريسِها(كمالُ) إثرَ حادثِ سيارةٍ مسرعةٍ.

صارَ ثوبُ زِفافِها أسودَ اللونِ،وتحوّلَت° جنّتُها إلى صحراءَ مقفرةٍ،واحترقَ العشبُ الأخضرُ،وغدَتِ الأشجارُ والأزهارُ سوداءَ سوداءَ،والأطفالُ أصبحوا وحوشاً مخيفةً بشعةً،تقطرُ الدماءُ من أنيابِهِم.
خلَعَتِ الثوبَ،وطرَحَتهُ أرضاً،وألقت° بنفسِها فوقَ السريرِ،والوسادةُ المبلَّلةُ بالدموعِ تعانِقُ رأسَها.
*************************************************************************************
العصفور الدمشقي
17/3/2016

شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق