لِماُ يعَطِّرُونَ سَمَاءَ اللهِ بِالعَتْمَةِ ؟ / كتب الشاعر / عبد اللطيف رعري

لِماُ يعَطِّرُونَ سَمَاءَ اللهِ  بِالعَتْمَةِ  ؟

العَتمَةُ وإن سَالتْ مِن مَورِدِي ألفَ قدَمٍ
أحْمِلُهَا قَطَرَاتٍ...
أحْمِلُهَا نَظرَاتٍ..
إلَى عَيْنِ الغَيْبِ... إلَى عَلاَّمِ الغُيُوبِ
وَإنْ طَالتْ بِمَرقَدِي رَمشَة
 
سِرْتُ لهَا قَارُورَةَ خَلٍ
عَتّقَتهَا الأيَادِي المَكْلُومَةِ
سِرْتُ لهَا نُقْطَة قَطْرَانٍ عَلَى صَحْنِ الهَوَى
 
سرت لها غربالاً   بعين واحدة يقي الشمس من الغروب
 
سرت لها آفة بالعيون كلها إلا عين الله
 
نَحَثهَا غُرابُ الخلاء بحلمٍ لم يتحقق
فيكفيني ريش الطير لحافًا
لأدثر آثار تواضعي من الهزال
 
وأجوب شوارع الثورة حافيًا...

 داميًا...
عاريًا...
إما متلعثما حروف الحيرة لأسقط جبروت القتامة..
إما منتشياً بزماني الزمانَ بعضه
فالعتمة الآن في قبضتي
 
وخيوط اللعبة ضفيرة أشُدُّ بها أزرَ أُمتي لتأتِي لا على الهزيمة
وتكفيني مع الليل ومضة بارقة
لِألُمَّ حولي بنات المواسم الحمراء لا  على الخديعة
فربما عزاء الأيتام شظية سكر في فم غريب
 
او نقطة عسل من فم شهيدٍ
هرولتْ ببدنه  طيور الجنة من تربته إلى بعيدٍ
وتكفيني مع الخليلة دفء البسمات
لأزوق يد الملاك الذي يحرسني
 
بالحناء.....
 
بالزعفران....
بالعبق والريحان....
 
ويبقى زفافي قيد الجدال....
العَتمَةُ وإن سَالتْ مِن مَورِدِي ألفَ قدَمٍ
وَإنْ طَالتْ بِمَرقَدِي رَمشَة
سرت لها حنظلاً
 
سيفًا باثرًا..
 
قلبًا موجعًا...
 
سرت كما أشاء وكما لا أشاء
 
وسارت في جفون الأطيافِ التي نتهادى بظلالها
 
دمعةٌ من صَخَبِهَا تدنو كل الفراشات
 
رشفة من كأسها تلعق مرارة النسيان
 
خلسة كانت تمر الصيحات بفراغ ماءها الآسنُ
 
الليل صامت يقطع أنفاس قوافل النمل ....
الليل حصار
 
يجر صخرة الوادي بحبال من قصبٍ
 
إليكِ أيّتُها العتمة المركونة وراء كل شيء
 
هامدٌ جبّار هذا الليل لا همّ  له في السقوط
لا هم له القُنوط
وربع غمضةٍ ينسيها كسر التابوت
 
ينسيها سنوات الحفر على الظهر
 
ينسيها ألم البقاء طول الدهر...
 
على جنب واحد
 
هي قوافل النمل لا تكف عن الصبر
 
لا همّ له في بحة الغانية الشامية
ومهما تعلقت بالغنى
 
ومالت بدلال صوب من يعشقها
الروح لا تهدأ عن  البوح ولو بدأ الزوال
الظلال كيفما تشكلت لا تغير لونها
ومهما تطاولت لا تفشي حقيقة وجوهنا
كاذب من أنذر السراب بميلاد بحر جديد
كاذب من جعل عين الشمس منتهاه
كاذب من قبل أول قطرة ماء في البحر
السراب في البداية
 
السراب حتى النهاية
خدعة...
بدعة واهية ...
وأدنى من الضلالة
 
من شيطان ماجن يهوى الرقص
 
على صفيحة نار تحترق والماشي أعرج
ا لثغورٍ مشغولة بالنفخ في الريح
والغانية التي تحلو القُبل في جيدها
 
تصفف أعواد الثقاب في سماء الله
 
ووارت نظرتها في القباب المنحوتة باليأس
 
فقد تستفيق جراء قصف رهيب
 
وقد يتمدد بدنها في ثغرة المنسيات
 
لتسمعنا تنهيدة الموت تحت الماء
 
لتجهض نزواتها قبل اكتمال النشوة
فما الحلم ألا طلةٌ من فوهة القمر
كاذبة.... هائمة... باهتة ....
عمرها نصف طرف قبل أن يغتض
العَتمَةُ وإن سَالتْ مِن مَورِدِي ألفَ قدَمٍ
أحْمِلُهَا قَطَرَاتٍ...
أحْمِلُهَا نَظرَاتٍ..
إلَى عَيْنِ الغَيْبِ... إلَى عَلاَّمِ الغُيُوبِ
إسْوَدَّتْ مَلاَمِحَ الْفتَى
حِينَ أبَى القَمَرُ حُمْرَةَ الخَجَلِ
الأطْيَارُ تَلهِمُنِي بِمَوَاوِيلَ المَوتَى
الأشْجَارُ تَدَللَنِي بِرقْص لأمَدٍ حَتّى
والأَحْجَارُ تشُدُّ وِثاقِي لتُرَابٍ شَتَّى
وهَذا الفَتَى يَبعُدُ عَن مَولِدِ الأحْلاَمِ دهراً
 
لَعَلَّهُ يلحَقُ صَدى الجَليدِ
 
فَعُدنَا نُصَفِّقُ للرِّيحِ وَنَحْنُ نَختَرِقٌ قَارِعَة الشَّفَقِ
والرِّيحُ شَرِيدٌ عَنِيدٌ تجرحُهُ شَظايَا الورَقِ
 
وتَتعَافَى مِنْ جَنباته عُيُونٌ بوَخْزِ الحَصَّىى...
وعُدنا نُعِير أنْفاسَنا لشَجَرِ الصُبّار لمَّا أَهَلَّ الضَّيقُ
 
وعدنا نعطر سماء الله
ونفرش أعواد الثقاب كما ألفنا
 
والعتمة وإن سالت ألف حول من مقصدي
 
أحْمِلُهَا قَطَرَاتٍ...
أحْمِلُهَا نَظرَاتٍ..
إلَى عَيْنِ الغَيْبِ... إلَى عَلاَّمِ الغُيُوبِ

   
عبد اللطيف رعري/فرنسا مونتبوليي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق