ردوا لي صديقي / بقلم الكاتب / سمير قاري

ردوا لي صديقي
 
تعلمت أن لا أمسح دموع طفل، قبل تجفيف منبع آلامه؛ فأنا ما زلت ذاك الكهل الذي ظل يرتشف من فيض أحزان الطفولة!...
 
كلما أغمضت عيني في غفوة صفاء، تحملني الذكريات لأيام كنت أحتضنه فيها مستنشقاً دفء صداقتنا الحميمة.. وكيف كنت أمرغ وجهي في بياض ردائه المخملي وهو منشغل في لعق رأسي! حيث أحلق بأحلامي معه تحت سقف السماء الصغيرة التي كانت تراقبنا من بعيد.

 عاهدته متأملا: أننا غداً سنكبر ونذهب إلى المدرسة، وأننا سوف نشتري الحلوى اللذيذة عندما نحصل على المال الوفير من أبي...
 
أخبروني أنني ساصطحبه معي في الرحلة، فبادرت بالهمس في أذنه بذلك، وأنا أكتم فرحتي خجلا؛ كونهم سيشاركوننا اللعب هذه المرة!.. وما أروع تلك الحظات التي جمعتنا في مؤخرة الباص، فكل شيء فيها كان مختلف...
 
نهروني.. أخذوه من تحت جناحي.. لم يلتفتوا لنواحي.. لمست ساقه النحيلة وهم يسحبوه.. ابتعدوا به والتفوا حوله.
 
أغمضت عيني عن فاجعة دماء تطيش.. وصوت نبضي يكاد أن يصم أذني.. ترددت قبل أن يقشعر جسمي لمنظره وهو يتدلى.. وتعثرت قبل أن أصل لردائه الملقى...
تفحصتهم باشمئزاز وهم يضعوه في أفواههم، وكم تألمت لأنهم كانوا يضحكون.
 
أنا لا آكل اللحم.. أنا لا آكل صديقي.
سمير قاري / السعودية

شارك الموضوع

شاهد أيضا

التعليقات
0 التعليقات

0 التعليقات :

إرسال تعليق