يعقوب واقمصة التاويل - ورقة نقدية في نص كأنها انا لهناء مبارك / الشاعر حيدر الأديب

يعقوب واقمصة التاويل - ورقة نقدية في نص كأنها انا لهناء مبارك 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
مقدمة ضرورية
الانطلاق من النص ليدلنا على جمالياته هو المذهب الذي نلتزمه كونه يعطي أهتماما واعترافا بوجود قارئ يريد أن يتحسس أدبية النص وتجربته الوجدانية ودلالاته
 
وليس كما هو مشاهد في اغلب النصوص النقدية التي تؤسس لذاتها على حساب النص وتستعرض أدوات إجرائية ومناهج غريبة عن النص فيغدو القارئ وكأنه في لجة من الطلاسم والإيماءات والأستظهارات التي لا تقدم للنص خدمة ولا لذاتها لذلك سنترك النص هو الذي يؤسس نظريته ويدل الناقد بطريقة غير مباشرة كيف يتعاطى معه ...ليس هناك نص نقدي سابق على نص شعري يريد أن يستكشفه ويحل مظاهره الجمالية ويؤول دلالاته ... ولا نذهب كما ذهب جاك دريدا

 ان لا مركزية للنص وان النص ما هو الا مجموعة من معطيات النصوص السابقة عليه فهي التي تؤسس له بموجب معطياتها وهي بذاتها لا تحقق لها انها متحركة
 
ومتغيرة وبهذا لا تحقق للنص أو كما تذهب الهرمنيوطيقا للفصل بين الذات المبدعة وبين النص اذ انها ترى ان الذات المبدعة غير منتجة للنص أصلا فهي غير فاعلة
 
وانما هي منفعلة بعدة ظواهر تجسدت بعد ذلك وتم التعبير عنها باللغة فالنص كينونة قائمة بذاتها اما دلالاته فهي نسبية ومتغيرة ويعاد انتاجها عند كل قراءة .......
 
اننا لا نوافق على هذا الكلام كلية وانما نرى ان الذات المبدعة هي المتصرفة بالواقع الخارجي وما حولها لتعيد انتاجه وتغير في علائقه ودلالاته في الوجود الذهني عبر الخيال واللغة تمثل الروابط والجسور والوسائط التي تعكس عالم الوجود الذهني وبهذا يدعم الوجود الذهني اللغة بافكاره الخلاقة وتحلق اللغة بما أوتيت أولا من خزين للمفردة وهي تتحرك في التركيب الشعري وما أنتج الاستعمال الشعري لها ثانيا ويحتفظ النص بهوية مبدعه التي تتمظهر في النص بين حين واخر من خلال موجهات لرسالة ما يريد مبدع النص ان يبلغها ومن طبيعة اللغة انها ذات وظيفة توصيلية وذات وظيفة أدبية ومن ضمنها الشعرية فالتوصيلية اذن لا مناص منها فكيف يقول جاك دريدا انه لا مركزية للنص وما معنى ان يوجد نص ولا قارئ له ... ان اللغة ضمنا ومن صميمها انها تتضمن مخاطبا مؤجلا دائما لذا نرى ان القراءات التي تتوالى على النص فان كل قراءة تحقق تأويلا ما ينسجم وتطلعات ومخزون الذات القارئة
 
ونرى ان الشعر كلام منفعل حقا ولكنه لم يتشيأ لوحده من تراكيب ومجازات فسياقه سياق فاعل لأنه منتج من ذات عاقلة أما مضمونه منفعل
كيف تجاوزت القراءات مقاصد المؤلف؟ ... انها لم تتجاوزه كليا
 
فكل قراءة تعطي تأويلا وفهما مغايرا الا ان هذا الفهم والتأويل يبقى تحت معطيات النص كما يؤكده إيزر وان ما يحققه القارئ وهو البعد الجمالي من النص فانما ينتج مما تركه النص من فراغات وما هو مسكوت عنه
 
ان القارئ يقرأ ذاته لكن وفق معطى النص من جهة ومن جهة أخرى ما تهبه عشرته مع اللغة وما تشير له مفرداتها
 
على هذا الضوء سنقرأ نص (كأنها أنا) ان النص هو عالم ممكن ومخلوق باللغة التي لا تحيل الى واقع بما انه واقع ونفس الأمر ولكن بما نفهمه نحن من جهد عقلي
 
وبما نحاوره ونحسه على هذا يحق لنا ان نتفق او نخالف ومنه ناول ونتوسع في التأويل
التجول في النص 
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
يقترح النص قراءاته المؤجلة ويترقب من شرفات مختلفة تؤاخي كل مشهد تنجزه القراءة ومن هذه الشرفات / ما مشيت يوما خلف ظلالك / هذا التعثُّر هو الحس المُنفعل في تأمُّلاتٍ بعيدة حيرتي فيك دُنيا .! / شرخ على جدار قديم كانه يهوى رثاء الأشياء/ كلك في ترحال وكلي انغام / الى ما يشبه هذه التراكيب التي تعد منطلقات يترقب منها النص المشاهد التي تنجزها القراءات المتعددة 
 
ان ثنائية (النص – هو ) و ( النص – القارئ ) تفرض زمنا محايدا تنطلق فيه الدلالة فلا النص ودلالته نحو الـــ ( هو ) يخلق زمنا مقروءا ولا النص وانفتاحه نحو التأويل يخلق زمنا متغايرا رهن كل دلالة وانما الزمن المحايد الحامل لموجهات الدلالة المخبوءة بقوة سياق التركيب من جهة ومن جهة أخرى فانه الحاضن لكل تخليقات التأويل بفعل سماحية اللغة ومناخ القارئ الخاص رؤية ومشاعرا وموقفا وعلاقة مع كل مفردة وفكرة ومعنى للدخول في الدلالة الثانية ان ما نعنيه بموجهات الدلالة من قبل النص التي تلعب دورا في إعادة انتاج المعنى من قبل المتلقي هي ما نلاحظه ان هذا النص احتوى على تنويعات الشعرية والتي تمثلت ب ( القول الشعري / الصورة الشعرية / الخبر الشعري / الفكرة الشعرية / الإحالة الشعرية )
فمثال الخبر الشعري/ وليس بين يديك ما يُبقيني .. كأنها أنــا .!
ومثال القول الشعري 
هذا التعثُّر هو الحس المُنفعل في تأمُّلاتٍ بعيدة
حيرتي فيك دُنيا .!
 
والفرق بين الخبر الشعري والقول الشعري هو ان الخبر افادة معنى يعضد التركيب الذي هو جزء منه بينما القول الشعري فانه ذو نزوع فلسفي شفاف ويثير التساؤل والتفكير 
 
ومثال الصورة الشعرية العقلية فالهذيان يُزاحم المسافات المُشبعات بِالبُعد ، والأرض ترفض جُذورها / انت الشتات المشتهى في دروبي 
ومثال الفكرة الشعرية / فأنت أنت تقف بين المواعيد والذي لم يصل موعده
موعدٌ واحدٌ سيكفي
 
والفكرة الشعرية تعني ان العبارة لا تخلق صورة شعرية مكتوبة وانما تخلقها القراءة فهي صورة لا مرئية منسوبة لقارئها ولا تنتسب للنص 
 
ومثال الإحالة الشعرية والتي تعني ان العبارة تحيل الى صورة شعرية في مكان ما يعينها القارئ اذ هو لا يقوم بتخليقها وانما يكتشفها عبر تجواله في المشاعر / الذكريات / النصوص / العلاقات / الأماكن 
ومن امثلة الإحالة الشعرية فلا تملأ عرباتي بِما يُناغي هذياني ، فالوعود تموت في عُزلتها
 
فنكهة الريحان وصوت البلابل ودغدغة الفراشات وأماسي كأس الشاي ونبضة حُلوة مخبوءة في رشّة عطرٍ
كُلّها لا تُؤذي إلا مشاعرنا ،كغناء الطُّيور من حناجر جريحة
 
فأنت القطار وأنـا الانتظار .!
المظاهر الحكمية ( أسلوب كيف نموذجا )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
 
ان تعقب النص من داخل نواياه يجعلنا نتجاوز خداع اثاره ونمسك في مقترحات قراءاته وواحدة من هذه المقترحات هو انه ترك مظاهرا من التراكيب والعبارات انتزعنا منها مفادا يتحلى مزايا الحكمة واختلفت أساليب النص في بث هذه الحكمة 
 
فجاء ت عدة اشكال منها الشكل الاستفهامي المبني على احالات او دعوة للتفكير فلسفيا فمثلا المقطع / كيف ضاقت بنا المشاعر / هنا لو تنزلنا من المستوى الشعري في صياغة العبارة واعدنا صياغتها كحكمة مستنتجة لقلنا / تضيق المشاعر كلما تعمق الحب / والتحليل الفلسفي لهذا الأمر ان الحب هو الميل كليا نحو الاخر هذا الميل يقوم بإعادة تسمية الأشياء ووظائفها ويقترح لها طقوس وممارسات لا يرى غيرها حتى يكون حاكما على العقل وتكون المعقولات منقادة له كليا ويبرر سلوكياته بانها جماليات متناسيا كينونة الانسان وقدرته فتبعا لذلك تضيق المشاعر عن تحمل هذه الخيالات المتحكمة في السلوك معنويا وسلوكيا 
 
فيذبل لها الجسم ويشحب وينحل والميل في ازدياد وما يسمى منه عذريا ما هو الا استهلاك للملكات الباطنية ودفعها في تسويق هذا الميل وإعادة بناء الطبائع طبقا لما يمليه هذا الميل وهذا التحليل ليس معنيا بالحكم بإيجابية او سلبية الحب وانما هو دليل على إمكانية ضيق المشاعر تجاه المواقف التي يتخذها العشاق والنص يدعي او يزعم ان المشاعر بنضجها قادرة على استيعاب ما ينتجه الغياب او الجفاف القلبي من تلف او خمود او تخلي او تناسي وهذا الاستيعاب تكفله أسلوب الاستفهام بكيف / كيف ضاقت بنا المشاعر انه استفهام انكاري أي انه لا تضيق بنا المشاعر وانا انا وانت انت فكيف تسنى لها هذا الانهزام فهل يعقل أو هو استفهام في محل الخبر التعجبي بمعنى انه كيف بزغ الشتات ولم تلمنا المشاعر 
على اية حال ان العبارة تؤدي الى مفاد حكمي كما اسلفنا ...
 
كيف الثانية هي كيف الداخلة على مجاز اذ تحول السياق من حكمي فلسفي الى مجاز عقلي يخبر ان هذا الضيق بالمشاعر افلت أقمار اللقاء من تقاويم الجهات 
والجهات هنا دوال الذات والاشياء وما ما من شأنه ان يصلح هذا الحب 
ان الأقمار التي لا تضيء الجهات بلهجة المواعيد هي نكبة في مشهد الحب
وان المشاعر التي لا تتسع لمباغتات الحب ونباتاته هي استفهام وقور في لعبة الغياب 
 
هذا نزوع حكمي أي ان النص انتج حكمة فيما انتج من معطيات للقراءات التي يقترحها هو ويبدو ان للنص جمالياته الأصلية قبال الجماليات التي يأتي بها القارئ والتي تحسب له
ثمة اكثر من ثمرة في سلة النص طعمها حكمة .... نكتفي بواحدة ونغلق بها الحديث تماما على انه بقي الكثير الكثير لم نتكلم عنه ولكننا نكتفي بما دللنا به على قوة النص وبما برهنا عليه من خلال النص عن اراء نتبناها منطلقين من سياق النص ومن داخل نواياه لا بما اسقطناه من ظلال النظريات والاتجاهات النقدية الأخرى
النص 
ـــــــــــــــــــــ
تأتي خلسة في صمتي وتنطفئ مشاعري في عُمرك ، وليس بين يديك ما يُبقيني .. كأنها أنــا .!
تفتح قلبي ، ولاشيء سوى ما ترك فينا ما ترك ذلك الجفاف .. فهل أمطرت سحابة في قلبك .؟!
كيف ضاقت بنا المشاعر .؟ وكيف ستعرف الجهات مواعيد أقمارنا .؟
ما مشيتُ يوماً خلف ظِلالك ، فالحقيقة تقاسمناها معاً .. هل تذكر .؟
هذا التعثُّر هو الحس المُنفعل في تأمُّلاتٍ بعيدة
 
حيرتي فيك دُنيا .!
شرخٌ على جدارٍ قديم ، كأنهُ يهوى رثاء الأشياء
كُلّك في ترحال وكُلي أنغام ، كانت الأشواق أحلى أغانيها
فالشَّغف ينسى المُنعطفات ، في لحظةٍ تضيع الذكريات
بالحُبّ تبدأ القصائد ، وينتهي في قصائد ، قد مات أصحابها
فأنت أنت تقف بين المواعيد والذي لم يصل موعده
 
موعدٌ واحدٌ سيكفي .!
فأنت الشّتات المُشتهى في دُروبي
وأنت المدار الناعس الذي ضاع توقيته في مُدن الصحو
فلا تملأ عرباتي بِما يُناغي هذياني ، فالوعود تموت في عُزلتها
 
فنكهة الريحان وصوت البلابل ودغدغة الفراشات وأماسي كأس الشاي ونبضة حُلوة مخبوءة في رشّة عطرٍ
كُلّها لا تُؤذي إلا مشاعرنا ،كغناء الطُّيور من حناجر جريحة
 
فأنت القطار وأنـا الانتظار .!
أكادُ أحسّك .! ليت الأحاسيس تفتعل الصُّدف في دُروبنا وتُشعل الشّوق في قُلوبنا
فالهذيان يُزاحم المسافات المُشبعات بِالبُعد ، والأرض ترفض جُذورها
أما أنا في قلبك ، علّقني ذكرى حبيبة


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق