ديك الجن الحمصي / كتبت سهام محمد

قصيدة وشاعر

اصدقائي لم ترتبط مدينة في العالم باسم شاعر كما ارتبطت مدينة حمص باسم شاعرها الذي صنع من حياته وشعره اسطورة عربية ترددت اصداؤها في كل الامكنة والازمنة وكانت الشخصية القلقة لهذا الشاعر مثار الكثير من الاقاويل والحكايات والقصص لغرابة اطوارها و تناقضاتها السيكولوجية وربما كان الوصف الذي اطلقه هذا الشاعر على نفسه الا وهو (جني في صورة انسان) هو الوصف الادق لهذه الشخصية المميزة والغامضة والمحيرة الى ابعد حدود الحيرة 

فقد عاش حياة لا تعرف المهادنة او الحلول الوسط والمتناقضات فمع حدة طباعه و نزقه كان شاعرا رقيقا مبدعا لكنه ايضا هجاء سليط اللسان فور المساس به ورغم اضطرابه و قلقه هو العاشق المتيم الرومانسي 
وكذلك القاتل لحبيبته ورد 
وكل هذه الاحداث الغريبة لم تقصه من احتلال مكانة مرموقة بين شعراء عصره على الرغم من انه لم يغادر مدينته الا في حالات نادرة ولم يقصد بلاطات الخلفاء والامراء مادحا ومع ذلك فقد تجاوزت شهرته بلاد الشام لتصل الى مصر والعراق

اصدقائي شاعرنا هو عبد السلام بن رغبان بن عبدالسلام بن حبيب بن عبدالله بن يزيد بن تميم وقد اشتهر باسم ديك الجن الحمصي حتى كاد ان يلغي اسمه الحقيقي وقد راجت عديد من الاقاويل حول هذه الكنية 
اولها ادمانه الخروج الى البساتين في ظاهر مدينة حمص وقد ربط هذا التعليل بين عبد السلام وبين دوبية صغيرة اسم ديك الجن
وثانيها لون عينيه والتي تشبه لون الديك 

وثالثها ذكره لديك في شعره وقد قال... دعانا ابو عمرو عمير بن جعفر 
على لحم ديك دعوة بعد موعد .....فقدم ديكا عد دهرا ذملقا .....مؤنس ابيات مؤذن مسجد 
تعود اصول اسرته الى قرية مؤتة وتميم او جد معروف من اجداده 
واسرته ليست مغمورة بل برز فيها بعض الرجال الذين تسلموا مناصب متعددة في الدولة 

ولد ديك الجن الحمصي عام 161 للهجرة بمدينة حمص على نهر العاصي وفي واحد من احيائها القديمة الذي يسمى اليوم باب الدريب وعاش طفلة عادية وقد اتجه الى المساجد والعلماء وحلقات الدرس والبحث والتعليم 
وقد كان من بين الاربعة اللذين ذاع صيتهم في عصره وفي بلاد الشام ( العتابي-والبختري-وابو تمام-وديك الجن الحمصي)
وقد اضافوا للعربية من التحف والفرائد ما يستحق ان يقف الباحثون والدارسون وقفة اعجاب وتامل و دراسة 
و تعد قصة ديك الجن مع حبيبته ورد من قصص الحب الرائعة في ادبنا العربي رغم نهايتها الماساوية وما لحقها من زيادات من نسج الخيال 
ومن غير المعروف سبب تجاهل بعض المراجع القديمة الكثير عن حياة هذا الشاعر 

فقد كان بيته مقصد لكبار شعراء عصره وقيل ان من زواره ابو نواس وقد كانت له معه قصة طريفة حيث يروى ان ابا نواس عندما اجتاز حمص قاصدا مصر لامتداح الخصيب سمع ديك الجن بوصوله فاختبا خشية ان يرى فيه ابو نواس قصورا فقصده الاخير الى داره وطرق الباب فقالت لهالجارية ان سيدها ليس في المنزل فقال لها قولي له اخرج فقد فتنت اهل العراق بقولك 
موردة من كف ظبي كانما 
تناولها في خده فادارها ....
فلما سمع ديك الجن ذلك خرج اليه واضافه 
ومن اجمل ما قال في حبيبته ورد عندما راها وفتن بها وبجمالها 
انظر الى السمش القصور و بدرها 
والى خزاماها و بهجة زهرها
لم تبل عينك ابيضا في اسود
جمع الجمال كوجهها في شعرها
وردية الوجنات يختبر اسمها 
من ريقها من لا يحيط بخبرها

كانت ورد فتاةنصرانية ورغم ما لاقاه من زجر و معارضة الا انه لم يستمع الى احد وعرض على ورد الاسلام ليتمكن من الزواج بها 
فاعلنت اسلامها على يد حبيبها و تزوجها 
وقد كان حقد ابن عمه مدمرا فقد انتهز سفره ودبر مكيدة التي اودت بحياة ورد اذ نسج قصة وهمية بين ورد وصديقة 
وكي يوغر ابن عمه صدره ارسل له من ينتظره على ابواب حمص لتاكيد خيانة ورد له ولتدعيم صحة القصة الملفقة التي حاكها ابن عمه ارسل من يكمل المؤامرة الي بيته وعندما سال من الطارق واجابه بانه صديقه فهو بسيفه على عنق ورد و ردد قائلا 
خنت سري مواتيه والمنايا معادية
ايها القلب لا تعد لهوى البيض ثانية
خنتسري ولم اخنك فموتي علانية

وقيل انه بعد اكتشاف المؤامرة البغيضة التي ذهبت ضحيتها حبيبته و زوجته ورد اصيب بصدمة عنيفة وبدا برثائها وهو في حالات الهذيان 
اساكن حفرة وقرار لحد
اجنبي ان قدرت على سؤالي 
بحق الود كيف ظللت بعدي
واين حللت بعد حلول قلبي
واحشائي و اضلاعي و كبدي
وقد وردانه عاد الى حياة المجون وظل على تلك الوتيرة حتى توفي في مدينة حمص عام 236 للهجرة وبهذا يكون قدعاش 75عاما كان اقساها السنوات التي تلت موت ورد 
احبائي كانت هذه لمحة عن حياة شاعرنا ديك الجن الحمصي و الى ان نلتقي في قصيدة اخرى ومع شاعر اخر لكم مني انا سهام محمد الف تحية وسلام